ثقافة

.. وكتبتــــــم النصـــــــر مـــــــن دم الوريــــــــــد

هامات تعلو على جراحها النازفة، وآمال تتسامى لتطاول الشمس في عليائها، تنسج من خيوطها وشاحاً يرفرف راية بيضاء في سماء الوطن، فمن زحمة الحرب والدمار.. من ضحكة الأطفال المصلوبة على جدران الموت، ومن أحلام تنسج أملاً بغد جميل باغتتها يد القتل، يؤكد رجال سورية الشجعان على امتداد مساحة الوطن أنهم أبناء الحياة الذين هبوا للذود عن أوطانهم، متأبطين معهم شمس الصباح وضجيج دمهم، هم نسغ الحياة وألق الروح يهدونها إلينا منداة بعبق الحب.
عمر عشته في ساعات وأعمارا كثيرة ستأتي من بيادرهم السموحة.. فاليوم تقطر النجمة البهية ضوءها عليهم فترسم مكانهم تحت السماء، وتجن الأنحاء بربيع مزركش بالبطولة والانتصار.. اليوم يعيش  أبطال الجيش العربي السوري لحظاتهم على وقع نبضهم فيسبقونه ويسبقون الزمن الأرضي إلى زمن من ضوء ومسرات.

أنتم الأحبة
منذ أيام كنت مع صديقة عزيزة في ضيافة مجموعة من أبطالنا في أحد المواقع، شباب بعمر الزهور، لكنهم بإقدامهم واستبسالهم كانوا بعمر التاريخ، معهم لا زمن يجري ولا الأمكنة لها حدود، وقد اغتنمت فرصة وجودي معهم وتحدثت وإياهم حول مناسبة عيد الجيش وعن إحساسهم بهذا اليوم، ومع من يتمنون أن يعيشوا هذا اليوم، ولمن يوجهون تحية المحبة، فخرجت الكلمات من أفواههم عفوية وبسيطة تعبر عن حبهم لوطنهم وشعبهم، وتأكيدهم على الاستمرار في النضال حتى تحرير آخر شبر من أرض سورية. ويؤكد المقاتل دانيال هذا الكلام قائلاً:
في مثل هذا اليوم.. أول من يخطر ببالي زملائي الذين استشهدوا معي، وأتمنى لو أن الظروف تسمح لي لأضع وردة على قبر كل واحد منهم، لكننا على عهدنا لهم.. نحقق لهم أمانيهم بإكمال مسيرتهم وإيفائهم بعض حقهم بثباتنا على الجبهات.
عيد الجيش.. يوم عظيم بالنسبة لنا، يشعر كل مقاتل أن هناك من يذكره ويحتفل به، وبهذه المناسبة أتوجه بالتحية للسيد الرئيس الذي يمثل سندنا وحافزنا الأول في كل الجبهات، وللعائلة الأكبر سورية.
كما أوجه كلمة محبة لرفاقي على خط النار، وبعدهم أطفالي الذين أخاف عليهم وأتمنى أن تمنحهم الحياة أياماً أفضل مما عشنا ونعيش، وأيضاً أمي وأبي اللذين ربياني على القيم والأخلاق وحب الوطن حتى وصلت إلى ما أنا عليه، امتلك القوة في مجابهة العدو، متسلحاً بإيماني بالله وبوطني ورضاهم علي، وللذين غادروا سورية أقول لهم عودوا إلى الوطن الذي يحبكم، وقلوبنا مفتوحة لهم.
ولأن عيد الجيش بمنزلة عيد ميلاد لجنودنا، فهم مع كل انتصار يولدون من جديد ليكتبوا في سورية الجديدة.. وهذا العيد يمثل للمقاتل علي غنّام البطولات والتضحيات التي قدمها الجيش العربي السوري، منذ بدء تأسيسه عام 1946 والحروب التي خاضها في مواجهة الأعداء وصولاً إلى هذه الحرب التي نعيشها الآن، وهي أصعب حرب تمر على المنطقة، وأرجو من الله أن يبقى الجيش السوري جيشاً عقائدياً وصامداً في وجه الأعداء. ويضيف علي: في هذه المناسبة أرسل محبتي لوالدتي وزملائي، وللذين استشهدوا الرحمة لأرواحهم وللجرحى الشفاء العاجل.
وكشخص يمتلك دربة وتمرس في القتال ومسؤول عن مجموعة من المقاتلين، وانطلاقا من إحساسه بالمسؤولية تجاه رفاقه، كيف يعيش معهم هذه المناسبة، وكيف يحفزهم لتكون معنوياتهم عالية دائماً يقول المقاتل رامز حميدوش:
في هذه الحرب وخاصة على أرض الميدان تسقط التراتبية، فليس هناك رئيس ومرؤوس.. نحن أرواح، وأهم شيء التعامل مع بعضنا معاً، وعلى نحو خاص الشهداء الذين ارتقوا يزيدون المحبة بيننا، فولولاهم لما استمرينا، وكما يقول المثل “الضربة التي لاتكسرك تقويك” ونحن أقوياء ونزداد خبرة، وهذه الحرب شكلت صحوة لنا على مر الزمن من الناحية الاجتماعية والقتالية، وعرفتنا صديقنا من عدونا، ونحن هنا جميعا نتحلى بالروح القتالية العالية، وإن شاء الله العيد المقبل  نحتفل بالنصر الأكبر على كل الجغرافيا السورية.
كما أتمنى أن أعود إلى أسرتي وأولادي كما تركتهم وهم بأحسن حال، أن أعود إلى البيت كما خرجت منه، وإذا عدنا شهداء فنكون قد وفينا الوطن بعضاً، من عهدنا له وبعضا من وفائنا لجميل انتمائنا له.
ويتمنى المقاتل محمد حسين من بلودان لو أنه يعيش هذا اليوم مع أشخاص فقدهم فيقول: أتمنى أن يعودوا لنعود إلى سابق عهدنا مع الضحكة والابتسامة التي كانت قاسمنا المشترك في كل خطوة خطوناها.. رفاقي الذين استشهدوا.. أما يوم الجيش فيعني لي أشياء كثيرة.. يعني لي الأم والأب والأخ والأخت، فالوطن الذي ترعرعنا في أحضانه وأكلنا وشربنا من خيراته، بالتأكيد يستحق منا أن نفديه بدمائنا وأرواحنا، كما أتمنى في هذا اليوم أن أرى والدتي التي لم أرها منذ ثلاث سنوات أتمنى أن اكحل عيوني بصورتها، فلم يعد يكفيني أن أسمع صوتها فقط، وأتمنى أن يمنح الله القوة والعزيمة للسيد الرئيس وأحلى الأيام.

العنفوان والكبرياء
ويقول المقاتل شريف من جبل الشيخ- قرية حضر: هذا اليوم يعني لي تأسيس جيشنا وتأكيد المحبة للسيد الرئيس، وأوجه التحية لرفاقي، وأن يبقوا على صمودهم وإيمانهم بوطنهم وبرسالتهم التي يؤدونها بعنفوان وكبرياء، والرحمة لأرواح الشهداء والصبر لأهاليهم، وكم أتمنى لو يتاح لي الظرف أن أرى ابني سوار في هذا اليوم.
ويفتخر المقاتل محمد سامر محمد من فلسطين بأنه أحد أفراد الجيش العربي السوري فيقول: أفتخر بهذا اليوم، وأفتخر أنني مقاتل في الجيش السوري وعلى الخط الأمامي.. وكم كنت أتمنى أن أعيش هذا اليوم مع الأهل والأحباب والأقارب، ونحن نفتخر جميعا أننا على خط واحد وهدف ورسالة واحدة. وبهذه المناسبة أوجه تحية لكل من ينتمي لسورية، وتحية المحبة لأهلي وأطلب رضاهم، وأقول لهم النصر قادم إن شاء الله.
ويتحدث المقاتل نضال سنغة من جسر الشغور عن سعادته بهذا اليوم فيقول: أنا أسعد مخلوق في الدنيا كلها وأنا أرى سورية تتعافى من جراحها وبخير، وأتمنى أن أرى أهلي، وأن يبقى قائدنا وسورية بألف خير.

شمعة تزداد بريقاً
وفي الأول من آب من كل عام يضيء الجيش العربي السوري شمعته ليزيد من بريقها وجمالها، أولئك الشجعان الذين يقفون خلف التلال لحماية الوطن، هو واجب مقدس يفتخرون به، وعن هذا اليوم يقول المقاتل علي: عيد الجيش هو رمز وطني، وفي هذه الأزمة هو بمثابة تقدير لجهود وتضحيات وتعب رجال الجيش، وفي الحقيقة يزيد الاحتفال في هذا اليوم من معنوياتنا جميعاً، فعندما يتذكر الناس هذا العيد يعطينا  دافعاً أكبر لتحقيق الإنجازات، فهو تقدير يزيد العطاء من أجل هذا البلد بكل أبناءه الذين نعدهم أخوة مجتمعين في حضن الوطن الأم سورية.
ويرى المقاتل مهند أن الأول من آب هو تقدير بسيط لشيء كبير، ومن جهتي  أشعر بالفرح والسعادة أن هذا اليوم حاضر في وجدان جميع الناس في بلدي ويحتفلون به، وهذا الاحتفال يعنينا جميعاً، ونعتبر من خلاله بأن تضحياتنا في حماية الوطن وتعبنا في الأزمة وما قدمناه وصل للجميع وهو شيء مفرح كثيراً، وأتمنى كثيراً أن احتفل في هذا اليوم مع عائلتي التي مرت أياماً طويلة دون أن أراهم.
ويرى المقاتل أحمد أن مظاهر الاحتفال في هذا اليوم المقدس يجب أن تكون أكثر، لأن الجيش هو الذي صمد وقاتل وضحى وقدم شهداء فداء للوطن، ورغم ذلك اعتبر أن هذا اليوم هو رمز للشموخ والتضحية والإصرار على النصر، وأتمنى أن احتفل في هذا اليوم مع حبيبتي التي تنتظرني كل يوم بفارغ الصبر.
وعن هذا العيد تحدث المقاتل إياد: أتمنى أن احتفل بهذا اليوم مع أصدقائي الذين فرقتنا الحرب وجعلت كل واحد في مكان، وهذا اليوم بالذات هو احتفال يلامس الشعور الداخلي لكل شخص وقف وناضل وحمل البندقية ضد الإرهاب وهو بعيد كل البعد عن أي شيء مادي، لذلك أشعر بالفخر والتقدير والانتماء، وكل عام وجيشنا الباسل بألف خير.
المقاتل علاء تحدث ولمعة الفرح تشع من عينيه: أريد أن اشكر الجيش العربي السوري الذي سمح لي بالعودة والانضمام له وأكون أحد أبنائه، سمح لي بحمل سلاح الحق من جديد لأدافع عن أرض بلادي وأرض أجدادي، أرض كل الأنبياء والأولياء ومهد الحضارات ومنبت الحروف. لن أنسى يوم إصابتي -رغم أنها كانت خفيفة- ولن أنسى نظرات أهلي وناسي وأصدقائي وكل الذين أعرفهم، هي نظرة أكبر من شيء اسمه الفخر، كل عين كانت مليئة بدموع تغني “خبطة قدمكن ع اﻷرض هدارة … أنتوا اﻷحبة وإلكن الصدارة” وهناك عيون كانت تحسدني على جرحي لأنها لم تعتبره مجرد جرح وإنما كان بمثابة وسام عزة وشرف أهدتني إياه سورية.
وفي الأمس تكلمت أمي معي وقالت لي: “كل البخور والصلاة لأبطال الجيش العربي السوري، كل الدعاء والأماني لكم، قلبي وقلب كل أم معكم، ليحرسكم الله جميعاً، وفي هذا اليوم أقول لكم: كل عيد وأنتم منارتنا وشمعتنا المضيئة التي لن تنطفئ أبداً”. وبدوري أقول لكل رفاق السلاح: ” كل عام وأنتم بخير، والنصر قادم وستعود سورية بإذن الله، و”الله محيي الجيش”.
هكذا نحن السوريين نكتب في هذه الـ”سورية” عقولنا، وأرواحنا، وأنفاسنا مازالت طيبة لأننا ولدنا تحت أشجار تحب الأرض وتعشق السماء المعلقة بالشغف وتفسح في أرواحنا حيزاً لانبثاق وردة.. فتضيء الشموس.. ويعبق الياسمين مرتلاً للوطن أنشودة السلام..

سلوى عبّاس- جمان بركات