ثقافة

مدينة الله والمخيم وناي القصب.. مفردات أمسية قصصية فلسطينية في مكتبة الأسد

“نحن نقاتل في خندق سورية ونستبشر مع السوريين بالنصر القادم” هذه المفردات قالها الشاعر الكبير خالد أبو خالد خلال حديثه عن أهمية مشاركة اتحاد الكتّاب العرب والصحفيين الفلسطينيين في فعاليات معرض الكتاب في مكتبة الأسد، وتابع الأديب أحمد جميل الحسن مدير الجلسة قائلاً”نحن شعب واحد في إقليمين، وأشاد باستمرار النشاطات الثقافية التي تدل على صمود القيادة والشعب السوري، وشكر وزارة الثقافة وإدارة مكتبة الأسد، وعرّف بمسيرة الأدباء وتاريخهم النضالي، ثم قرأ المشاركون نصوصهم القصصية التي اختلفت جمالياتها الفنية وأساليبها لتلتقي مفرداتها عند حجارة أسوار مدينة الله القدس والمخيم وملامح الموت، فأصغى الحاضرون بشغف لمسارات السرد المتداخلة بين الرمزية والتضمين والتقطيع بين التقليدية والحداثوية.

رصاص المخيم

بدأ الأديب عدنان كنفاني بقراءة قصة قصيرة بعيدة عن الرمزية بعنوان “قبل أن يولد الفجر” ومنذ اللحظات الأولى شدّنا إلى عوالم إنسانية تتماهى مع الارتباط بالمكان وبالذاكرة الفلسطينية فمضت بين المباشرة الفنية والتورية والأنسنة للقط ورد الذي وصف كنفاني لون فرائه الزيتوني، إلى عوالم امرأة المخيم أم شكيب في شارع الثلاثين التي قدمت من المخيم البعيد، ولكن إلى أين مضت تلك المرأة التي هدها الانكسار وأتعبها الغياب بقولها”راحوا راحوا”، ليتوقف كنفاني عند الرمزية بإثارة التداعيات البعيدة لعلاقة القط بأم شكيب، ولينتقل بعتبات السرد إلى مستوى أكثر ضجيجاً وخوفاً وانفعالاً، فيضيع صوت أم شكيب في وجه الطوفان المدمر لأصوات الرصاص وقذائف تتساقط دون تركيز، ليتابع إلى القفلة التي مهد لها “تسقط أم شكيب”.

واختار الأديب عبد الفتاح إدريس قصة تدور أحداثها في القدس تضامناً مع الملحمة النضالية التي قام بها المقدسيون في غضون الأيام القليلة الماضية إثر الاعتداءات الجائرة من الصهاينة كما ذكر، فقرأ قصة بعنوان”ظل سيدة كنعانية” فكانت قصة طويلة أشبه بفسحة على الرواية من حيث المقارنات الزمنية والاسترجاع ليضعنا القاص إدريس في مواجهة الواقع مع ظلم المستوطنين والقهر الداخلي لأم عمر التي كانت ترمز إلى كل الفلسطينيين في الداخل، فمضت القصة الروائية بمسارات سردية متشابكة ضمن الحبكة التي تشد المتلقي إلى خطوطها المحكمة، فتفوقت جمالية الوصف المكاني على سرّ الحكاية المشغولة بروح شعرية حزينة، لينتقل من مشهدية المكان إلى السيدة القروية بطلة القصة التي تبيع الخضراوات لإعالة أبنائها بعد أن توفي زوجها منذ سنوات طويلة ارتبطت خلالها بذاك المنعطف المؤدي إلى أزقة جانبية متعددة. ويشير القاص إلى التلاحم الديني بين مآذن المسجد الأقصى وكنيسة قيامة السيد المسيح، ومن ثم يعود إلى التتابع الزمني بوصف ملامح المرأة التي لاتقل دقة عن وصفه للمكان “تركت آثارها الغائرة على ملامح وجهها، وخلفت على قسماتها خطوطاً أنيسة” ليدخل القاص بلعبة الحكاية فتتداخل لغة الحوار باللهجة المحكية بين أمية الشاب الذي يمر كل يوم من أمام القروية مع لغة السرد بمفرداتها المتناغمة، وفي مسار آخر يدخل بتفاصيل حكاية لإخلاء الصهاينة منزل القروية ليسكنه أحد المستوطنين وتتراكم الضرائب عليها، لتأتي القفلة الحزينة المؤثرة بهدوء تنساب مع تفاصيل استسلامها للقهر الممزوج بالدم والدعاء إلى الله.

ويقترب القاص رسلان عودة من واقعنا بقصته المفتوحة التي تنسحب على بلدنا وربما على مجتمعاتنا القريبة-لبنان وفلسطين- التي هاجر شبابها من بحرها إلى بحر غريب كما ورد في سطور قصته، التي أوحى عنوانها بمفهوم الموت المفجع وآلام الفقد “الغداء الأخير” ليمضي بلعبة السرد الدائرة حول تفاصيل الحدث الحكائي، وبالدمج بين الزمن الحالي واسترجاع الماضي، ولكن جمالية قصته جاءت بمفاجأة أذهلت الحاضرين وجعلتهم يعيشون فداحة الفاجعة من خلال السمكة، ففي البداية كانت قصة عادية ليوميات أم عدنان، ليتصاعد الحدث للدخول بتفاصيل حكاية العائلة للابن الأكبر الذي يرمز إلى كثيرين هربوا من الموت فابتلعهم البحر، اشتغل القاص على الدمج ببراعة بين تداخل الحكاية والمحيط العام للمدينة البحرية للمدّ الأزرق الذي يعلوه ضجيج الطائرات، فبدأ من شريط النهاية من لحظة شراء الأم السمكة البحرية ليتزامن الحدث مع استرجاع الوقائع وتصميم عدنان على السفر، ليقتحم القاص الحدث باختزال سنوات الحرب بوصف المقبرة التي صارت تحت حبق النافذة، برمزية الحزن، “هناك يا أبي سأكون بعيداً عن وباء السلاح وطرطقة النفوس”، فيستخدم القاص أسلوب المقابلة بين سامر الذي حمل البندقية وعدنان الذي عشق البحر، لتأتي النهاية المفجعة بالقفلة المفاجئة والمدهشة التي مهد لها بخوف ”  شقت بطن السمكة الأبيض العاري دققت النظر فكانت إسوارة معدنية مطوية دققت أكثر فوجدت أظافر آدمية كاملة” لترى ابنتها اسم عدنان على الدائرة المعدنية ليخلص القاص إلى أن” ثمة فرق بين موت هناك وموت هنا”.

التقطيع ولعبة الزمن

وفي نهاية الجلسة قرأت القاصة سوزان الصعبي قصة مختلفة من حيث الأسلوب تتبع إلى مصطلح الحداثوية فعملت على تقطيع المشهدية القصصية واللعب بالصورة بالزمن بتتابع الحدث، من خلال اعتمادها على فواصل سردية استمدت منها عنوان قصتها”فواصل”، لتدور أيضاً بين رصاص جنود الاحتلال ومآذن الأقصى من خلال حكاية الطريق أثناء ذهاب بطل القصة بين البيت والجامعة لتمرر القاصة فواصل مختلفة للمشهدية القصصية بلغة واقعية تسرد من خلالها حكاية الشهيد” سقط مصعب على غفلة مني، قهقه جنود الاحتلال فجأة، عرفتُ أن مصيبة حلت”. وانتهت الجلسة دون نقاش.

ملده شويكاني