ثقافة

الفرح قوة.. فلنطورها!

يتناول كتاب “قوة الفرح ” لمؤلفه فريدريك لونوار، وترجمة عبير حمود، ومراجعة د. ماجدة حمود مفهوم قوة الفرح حيث أننا نسبر أغوار هذا المفهوم في نظريات هي من جوهر الحياة إذ ننطلق بعالم الكتاب الذي يستوقف القارئ عند هذه النقط الجمالية فيه: اللذة, السعادة, الفرح حين نتوصل لهدفنا, تنبهنا الطبيعة بإشارة محددة هي الفرح إذ أن اللذة هي الرضا, والسعادة هي “الاستمرار بالرغبة فيما نملكه”, ولابد من “التناغم” إذ أن الإدمان على الكحول لا يعني الحكمة التي هي مصدر السعادة, لأن الفرح هو ذاك الذي يجلب لنا القوة ويزيد رغبتنا بالحياة.

فلاسفة الفرح

“ينبغي أن ننشر الفرح وأن نقلل الحزن قدر المستطاع” فالفلسفة الأخلاقية لاسبينوزا هي فلسفة الفرح, فقد كانت دراسته لسلوك الإنسان وأخلاقه تبدأ بالفرح وتنتهي به, وإن هذه الأخلاق على نقيض الأخلاق التقليدية للواجب, وأن مشاعر الحزن تقلل حركته وتمنعه أن يكبر, لأن الفرح تصاعد تدريجي للإنسان وصولا إلى أعلى درجات الكمال “وذلك ضمن “التلاؤم” الذي يحدد الصح من الصواب.

كن أنت ذاتك

“إن أكثر الناس جهلا ذاك الذي يتخلى عما يعرفه عن نفسه ليتبنى آراء الآخرين” إذ أن الفرح لا نملكه إلا عندما نملك ذواتنا ونكون منسجمين مع حركة الحياة ليكن حالة متميزة عميقة ولطيفة ويحرك باستمرار كينونتنا, وليس فرحا شديدا يدفعنا للرقص مثلا، وهو يتأتى عن التعمق بالأنا: أي فرح التحرر الداخلي, وثانيا: من العمق في علاقتنا مع الآخرين والتوافق مع العالم, إنه فرح المشاركة وهما سبب “الفرح الكامل”

وسيرورة الفردية تقضي التخلص من الذين يضايقونا بمعنى “عدم الارتباط”, وهو أعظم خطوة نحو التحرر.. ويتبدى وسط العمر حين نفهم أن بداخلنا جوهراً اسمه “شخصية” ينبغي اكتشافها مبكرا, واعرف نفسك هو وعي غير منوط برأي مسبق, يفترض أن تقول “لا” عند الحاجة, كمثل الذي تربى على إرضاء والده مما اقتضى منه إرضاء الجميع باللاشعور مما يسبب له الشكوى والألم, و”الرغبة” وليدة العقل والعاطفة, والسيد المسيح سيد الرغبة وما يسمى “أهواء” يسميه “الخطيئة” وتعني بالعبرية “أخطأ الهدف”, ولا نجد بالإنجيل ما يقودنا للنار, فعندما أنقذ السيدة الزانية من الرجم قال لها “من الآن وصاعدا لا ترتكبي خطيئة”, وبالنهاية المنفعة الخاصة تقود إلى تحقيق الخير العام عند التوجيه الصحيح لرغباتنا الخاصة.

لندع الفرح يزهر.. إن الفرح قوة فلنطورها، “إن الفرح لا يأتي بقرار ولا بوصفة جاهزة, لابد من جو مناسب لأي حالة ذهنية، وهو أمر يمكن تعزيزه بأنفسنا” ويتطلب أولا الانتباه: الذي يستثار بتجارب حسية, ويعني أن نترك جسدنا وعقلنا تجتاحه أحاسيسنا ليولد الفرح.

إضافة لكل من: الحضور اليقظ, التأمل، الثقة وانشراح القلب، الطيبة إزاء الآخرين, العطاء المطلق، الامتنان، الدأب في الجهد، الاستسلام والرضا، أمتاع الجسد.

التوافق مع العالم

إن سر السعادة هو أن تكون قادرا على إيجاد فرحك من خلال فرح الآخرين, وتتشكل من: عاطفة الحب والصداقة يقول أرسطو: هي “أكثر ضرورة في الحياة”  وتتطلب عطاء دون مقابل والمعاملة بالمثل, لكنها تنهار بالتضحية والحزن, ولابد أن نعتني بها لتنمو, ويتمازج الحب والتوافق مع الحالات التالية أيضا: من الهوى العشقي، إلى الحب الذي يحرر.. إلى فرح العطاء حب الطبيعة والحيوانات…

وهي  بالمجمل تواصل حسي وروحي يسمح بالآفاق العاطفية التي تجسد الفرح المطلق وتلغي المسافات بينك وبين العالم, “قفوا معا ولكن لا يقترب أحدكم من الآخر كثيرا لأن عمودي الهيكل منفصلان والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في  “ظل رفيقتها”.

فرح الحياة يتطلب كل ما هو أبدي للحصول عليه, بدءاً من فرح الأطفال العفوي إلى فرح العجوز الذي وصل إلى الحكمة، والتحرر من الأنا ليكون الذهن في الفرح النقي, كما يقول المسيح “لن تدخلوا الفردوس, إن لم تكونوا كالأطفال”, كما يفعل كبار السن الذين يقبلون واقعهم بأن يكونوا ضعفاء وقد بات يقدس دفء التواصل الإنساني, وبالأفراح البسيطة يكون الفرح الأكبر في داخلنا…, إذ ترهقنا دائما (أنا) غير راضية ومتطفلة وذهن يريد أن يسيطر على كل شيء وتكون “قوة الرضا” نابعة من ما يسمى “مفارقة الفرح” وبالمعنى اللاهوتي الفرح الحصين.. “هؤلاء الذين يبذرون دموعهم يحصدون الفرح”, إذ ثمة قدرة غريبة للرضى, هي أن نبدع ونكتشف نظاما ضمن فوضى الأشياء”.. والفرح الكامل “حين نشعر ونختبر نصبح خالدين” وهو يرتبط بالصوفية الاسبينوزية التي تناقض “الوحدانية”, إذ يقول أن الله لا وجود له خارج هذا العالم, كل شيء موجود في الله, كما أن الله موجود في كل شيء, إنه يوصلنا إلى “الغبطة الداخلية”.

حكمة الفرح

تعد السعادة أسلوب حياة عصري ومثلا أعلى للعقل, وهي تتأرجح مابين السعادة المصطنعة الاستهلاكية, والجوهر القائم على ما طرقه اسبينوزا, لأنه أكد على أهمية التفرد لكل شخص شرط صحية أفكاره وتصرفاته، ويؤكد أن الحكمة لا تلغي العاطفة.. ويضيف: “درب الزهد قاس وشاق لا يسمح بالتطور فاخترت الدرب الثاني حكمة الفرح إنه طريق إنساني يناسب قوتي وضعفي, وهو يستند على حقائق الذات وتوجيه الرغبة والالتزام بالمجتمع إذ أن الفرح يدعو إلى المشاركة والرأفة, بينما يسجننا الخوف وننطوي على ذواتنا”…

وفي نهاية هذه الرحلة في كتابنا..تعالوا نتساءل معا: “هل كان صعود السيد المسيح للأعالي.. هو المعنى الجوهري للفرح, والانتقام الأزلي من الذين صلبوه بعد أن باركهم”..؟!

يقع الكتاب في 168 صفحة صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب الطبعة الأولى 2016. تأليف: فريدريك لونوار- ترجمة: عبير حمود- مراجعة د. ماجدة حمود.

رجائي صرصر