ثقافة

لماذا تُقرأ الروايات

ذلك السؤال القديم الجديد البسيط والمركب بآن معاً، والذي يأخذنا إلى استحقاق روايات عشناها في الزمن الجميل، وأخرى نتوسلها في أزمنتنا الراهنة، بعيداً عن ذلك التشظي الذي وسم ما سمي بالرواية الجديدة في غير مكان من العالم، وتعالق بطبيعة الحياة المتغيرة، صحيح أن ثمة من نظّر للرواية كجنس إبداعي مختلف، وكان جلّهم من الروائيين والنقاد من أمثال إنريكي أندرسون امبرت صاحب كتاب القصة القصيرة النظرية والتقنية، وماريو بارغاس يوسا، وإيتالو كالفينو، وديفيد لودج صاحب كتاب الفن الروائي، وجابر عصفور صاحب أطروحة زمن الرواية، ونبيل سليمان ود.نضال الصالح، ود. سمر روحي الفيصل، وسواهم كثير، وليس انتهاءً بماركيز، الذين ذهبوا أبعد في وصفهم لتقنيات الرواية ودلالاتها المخترقة للأزمنة والأمكنة وحتى الشخوص، ذلك هو درس الأدب الخالد حينما تظل الرواية طازجة حين استعادتها، وحين تذكّرها وحين مقارنتها، وبطبيعة الحال لم تكن الروايات لتُقرأ تناغماً مع سلطة الاسم وحده، بل بثراء التجربة وأصالة المعرفة، والمعنى هنا في الثقافة التي أنتجت الرواية وشكلت حواملها ومناخاتها ومهاداتها المؤسسة، من تلاقح كل صنوف المعرفة الإنسانية وتماهيها في كل مشترك إنساني وفكري وأخلاقي.
فسؤال القراءة ليس بمعنى الانتهاء من الأمية بل هو سؤال مركب بمعنى القراءة المعرفية، القائمة على التحليل والموازنة والمتعة، وتحرّي الأسلوبية بحثاً عن ما أسماه يوماً رولان بارت أحد أساطين النقد في فرنسا بـ «الدال الفاخر»، الذي يأخذنا إلى ما تتوسله الروايات الخالدة في الذاكرة الإنسانية، والتي جاء معها زمن القارئ، القارئ العام والقارئ المثالي، وربما القارئ العابر للروايات، من يعيشها في أزمنته الأخرى، ويذهب إلى صداقة شخوصها فضلاً عن عيش أزمنتها، وتقري مقولاتها الإنسانية، من أصبحت مفاتيح لتأويل حيواتنا وأزمنتنا وافتتاحيات يومياتنا الطليقة، أن تعيش زمن الرواية هو المعنى الذي قال من نظّر لزمن الرواية به، أي شعرية النفاذ إلى ما هو أكثر من سياقات وأحداث بعينها، لأن الرواية في هذا السياق هي حارسة وعي يتنامى، لا ليفسر المحلوم به ويذهب القارئ سعيداً بما تلقفه، بل أكثر من ذلك حينما يكون قادراً بذاته على تأويل روايته هو، وكيف يسردها كراوٍ عليم كلي القدرة، وإذا لم يكن كذلك فسيستمتع بمن يسردها له، وكي لا يغدو هذا الكلام انحيازاً للرواية وفصلها عن أجناس الإبداع الأخرى، لأنها صاحبة الرؤيا والاستشراف، لا سيما في توصيف روايات الحرب والسؤال الفادح الذي يتعالق معها  هو هل من المبكر أن تُكتب -هذه الروايات- أم علينا أن ننتظر زمناً بعينه حتى تكون الكتابة ناضجةً ومشبعة الإرهاصات والعلامات، وتستحق القراءة الفاحصة والمتأملة لكل صيروراتها وانعطافاتها الحاسمة؟، حتى يستوي السؤال الكبير لماذا تُقرأ الروايات، ومنه نشتق أسئلة محايثة لعلها روافد لذلك السؤال. ومنها نجلو مفاهيم من مثل الراهنية والمستقبلية، والجمالية وغير ذلك مما يختبره القارئ المختلف النوعي، ليصبح دليله إلى أدب الحياة وثقافة الحياة، في مواجهة ثقافة الموت والقبح، وهذا ما يشي بتجدد زمن الكتابة وعبر روايات تعالقت مع التاريخ، لتنتجه بتجريبية نقدية معللة في سياق المغامرة الأصل، أي مغامرة الروح في أزمنتها المختلفة وخطابها المختلف، الذي ينفتح أكثر على ما يعنيه الإنسان كقيمة أولاً، ومن ثم هدفاً، وثعلب الرواية المراوغ والمخاتل للسائد والمستقر والناجز الكامن في متون سردية منتظرة، هو من سيحيلنا إلى الانفتاح أكثر على زمن الإبداع وبخصوصية أفعال الرواية السورية، وصولاً إلى العربية، على الرغم مما يقال بشيوع زمن الإبداع، المتخطي لكل تقعيد ممكن بانفتاح المعايير لا باطمئنانها لما نعرفه، ولا نستطيع مفارقته.
أحمد علي هلال