ثقافة

موشحات دينية وتراثية تتألق في الأوبرا

“أراك عصي الدمع شيمتك الصبر، أما للهوى نهي عليك ولا أمر” قصيدة الحمداني التي غنتها أم كلثوم كانت حاضرة في أمسية الموشحات الرائعة التي قدمها رباعي دمشق للنشيد(مصطفى الشيخ- غسان السروجي-محمد الشعار-محمود الصياد) بإشراف الموسيقي حسام الدين بريمو على خشبة مسرح الأوبرا، والتي تعدّ انطلاقة للرباعي لإحياء فنّ الإنشاد الديني والتراثي وحضوره بالمشهد الثقافي المعاصر، الأمسية التي تألقت بموشحات صباح فخري تضمنت قوالب موسيقية وغنائية متنوعة تألقت فيها ارتجالات الليالي والآهات بامتدادات طبقات الصوت، والأمر اللافت هو التناوب بالأداء الغنائي المختلف بين مغني الصولو الرباعي وفق اختلاف مدارسهم وانتمائهم إلى كبار منشدي دمشق ومؤذنيها وإلى مجالس الذكر، لتشكيل لوحة غنائية متكاملة من جميع المدارس، تكون جسر تواصل بين الماضي والحاضر، بمرافقة الكورال والفرقة المكوّنة من الكمنجات والتشيللو والكونترباص والعود والقانون والناي والإيقاعيات- الرق والكاتم والدرامز الكهربائي-، وبحضور متميّز لنغمات أوتار القانون لاسيما بالتقاسيم والإيقاعيات التي كان لها حضور باللحن الأساسي وأخذت أيضاً موضع الفواصل الموسيقية، وتنوعت القوالب الموسيقية بين سماعي حجاز والدولاب مقام سيكاه والتقاسيم، والقوالب الغنائية بين القصيدة والموشح والدور والموال والقدود الشعبية، والتناوب بالأداء الغنائي منح الجمهور فرصة التعرّف إلى خصائص كل مدرسة بشكل منفرد، وإلى اختلاف طبقات الصوت وطبيعته.

القديم والمعاصر
بدأت الأمسية بالوصلة الأولى سماعي حجاز لعبد الرحمن حبقجي بصولو الناي- العازف بشار أبو شامة -ومن ثم باشتراك آلات الفرقة، وبغناء الموشحات القديمة بالتناوب بين الغناء الإفرادي والجماعي “فيك كل ما أرى حسن مذ رأيت شكلك الحسن” الموشح الذي غناه صباح فخري و”ما احتيالي يارفاقي فغزال علم الغصن التثني حين مال” ألحان سيد درويش مع تقاسيم القانون، ثم “عنق المليح الغالي”، وأفردت الوصلة الثانية مساحة لارتجالات وتلون الليالي بدأت مع الشعار والتقاسيم بدأت بصولو العود، إلى غناء دور “الحب ما هوش بالساهل” بتقاسيم القانون والناي إلى موشح”فشارب الخمر يصحو بعد سكرته” وتناوب الرباعي على الغناء وبدا دور الإيقاعيات، الوصلة الثالثة بدأت بدولاب مقام السيكاه كمدخل للانتقال إلى القدود الشعبية المألوفة وتغيّر المسار اللحني والجمل الموسيقية التي يتخللها فواصل “بيلبقلك شك الألماس، مرمر زماني يامسعدك صبحية، الله يا جملو،دومك دوم” وتألق فيها الصياد بموال “فتأوهت ثم قلت لطيفي آه لوزرت طيفها إلماما”، وتميزت الوصلة الرابعة بلون غنائي آخر إذ بدأت بصولو التشيللو-العازف عماد مرسي- يتبعه الكمنجات والعود والإيقاعيات بغناء السروجي مطلع شآم طيف أحلامي لينتقل إلى “ويمر بي طيفها وتسكن الأحلام” بأداء السروجي المختلف وأهدى الرباعي الجمهور الموشح الشهير”ابعتلي جواب وطمني” تألق فيه مصطفى الشيخ.
وتحدث المشرف على العمل الموسيقي حسام الدين بريمو عن فناني الرباعي بأن كل واحد منهم مغني صولو، وأن التناغم بينهم مسألة صعبة وغير مألوفة لما يتصف به مغني الصولو من نرجسية، ولكن رباعي دمشق للنشيد أحبوا بعضهم وأوجدوا حالة تناغم فيما بينهم، وهذا أمر هام ينعكس على حياتنا لأننا كأفراد يجب أن ندرك أننا أمة، وعن دوره بالإشراف على هذا العمل كون الرباعي تشكّل منذ عام 2014 أضاف بأنه أوجد حالة تآلف وتناغم بينهم وبين الموسيقيين وفق النمط المنضبط الذي يتناسب مع طبيعة المسرح، والمختلف عن الأداء الغنائي خارج خشبة المسرح، ليصل إلى أنهم رائعون لتمكنهم من تشكيل هذه اللوحة الجميلة.
ويعود نجاح الفنانين الأربعة وتناغمهم وتآلفهم كما قال الفنان محمد الشعار إلى التناغم الروحي بين الرباعي على الصعيد الفني والاجتماعي، وأن تكرار المقاطع وتناوب غنائها فيما بينهم بأساليب مختلفة، يعود إلى أن كل فنان من الرباعي هو منشد وينتمي إلى مدرسة معينة إلا أننا جمعنا المدارس كلها في مشرب واحد، من خلال توزيع الأدوار المدروس والأداء الارتجالي في مواضع بالخروج عن اللحن، والتناوب بيننا يجعل كل واحد منا أن يأخذ من الآخر ويخلق حالة من التنافس الشريف، وعن اختيار البرنامج أضاف: من واجبنا الحفاظ على التراث وتقديمه على مسرح الأوبرا، وفي الوقت ذاته قدمنا القدود الشعبية المألوفة التي يحبها الناس لإيجاد حالة توازن في العمل تناسب جميع الأذواق، وأمسية اليوم هي بداية لطموحنا الكبير.
وتابع الفنان مصطفى الشيخ عن أهمية العمل الجماعي لاسيما أن كل فنان يتصف بخامة خاصة ومختلفة عن الآخر، والأهم هو حبّ العمل الذي وحدنا حتى تآلفت أصواتنا بعد عام كامل من التدريبات.
وتحدث الموسيقي نور الدين كحيل عازف الرق عن التناغم بين الموسيقيين الذي يعود إلى تشاركية العود والقانون والناي والإيقاعيات والكمنجات مما خلق لوحة جميلة، وأشاد برباعي دمشق الذين شكّلوا فرقة واحدة وهم من مدارس مختلفة.
ملده شويكاني