أخبارصحيفة البعث

العدوان الثلاثي … قـــــــراءة قانونيــــــة

 

د. مهدي دخل الله

 

يضيع القانون عادة وسط الحضور القوي للسياسة، فكيف عند الحرب؟…
العدوان الثلاثي، أو الرباعي إذا أضفنا البعد الاستخباري الصهيوني، حدث يكاد يكون غير مسبوق. أولاً – لأن المعتدي ثلاث دول من أقوى الدول في العالم عسكرياً. ثانياً ـ لأن المعتدى عليه دولة صغيرة الحجم. ثالثاً – لأنه جاء دون إعلان حرب رسمي. رابعاً – لأنه جاء من خارج مجلس الأمن…
لكن الأهم من ذلك كله أنه جاء مخالفاً لدستور الدول المعتدية وقوانينها بخصوص الحرب..
تطلب جميع الدساتير في الدول الثلاث المعتدية الرجوع إلى السلطة التشريعية في أي عملية عسكرية خارج الحدود. يتمسك الرئيس الأمريكي بالمادة الثانية من الدستور التي تعطيه صلاحيات «الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة» لكن هذا لا يعني تخطي الكونغرس تلقائياً في حالة الحرب..
واجه عدد كبير من الرؤساء الأمريكيين هذه المعضلة. على سبيل المثال، ليندون جونسون في الستينيات لم يستطع نيل موافقة الكونغرس على شن الحرب على فييتنام فقام بتوريط الكونغرس وإجباره على إعلان الحرب. التوريط كان عبر إعطائه الأوامر لأسطوله بالاقتراب من المياه الإقليمية لفييتنام، أي التحرش بالفييتناميين، عندها قام الثوار بضرب الأسطول فاضطر للرد «دفاعاً عن النفس» واضطر الكونغرس لإعلان الحرب على فييتنام.
في فرنسا، تؤكد المادة 35 من الدستور على ضرورة تقيد الرئيس بموافقة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ (البرلمان) للقيام بعمل عسكري خارج الحدود، لذلك احتج البرلمان الفرنسي على قرار ماكرون بالمشاركة في العدوان الثلاثي على سورية.
البرلمان البريطاني احتج على قرار رئيسة الوزراء بالطريقة نفسها. إذا أضفنا إلى ذلك المظاهرات الشعبية في العواصم الثلاث ضد العدوان بدا واضحاً أن قرار العدوان كان استبدادياً من وجهة نظر دستورية وشعبية.
– القانون الدولي: جاء العدوان انتهاكاً صارخاً لمبادىء القانون الدولي لأنه انتهاك لسيادة دولة مستقلة واستخدام للقوة العسكرية ضدها.
حتى التذرّع «بالقانون الدولي الإنساني» لا يعطي المعتدين أي غطاء، فكل هذا مرهون بمجلس الأمن والفصل السابع. وحتى – جدلاً – لو وافق مجلس الأمن على توجيه ضربة عسكرية إلى سورية فهو بحاجة إلى قرار آخر يحدد من هي القوة المخولة بهذه الضربة. المادتان (42) و(43) من ميثاق الأمم المتحدة تؤكدان ذلك.
عندما قررت الولايات المتحدة ضرب كوريا، عام 1951 باسم الأمم المتحدة، ولم تستطع الحصول على موافقة مجلس الأمن بسبب مقاطعة المندوب السوفييتي للجلسة، اتجهت واشنطن إلى الجمعية العمومية واتخذت قراراً تحت ما أسمته «متحدون من أجل السلام» وحاربت في كوريا على أساسه على الرغم من أنه تصرف إشكالي.
كل هذا يؤكد أن القانون الداخلي للدول المعتدية وكذلك القانون الدولي انتُهكا انتهاكاً صارخاً في العدوان على سورية، أي أن الحكومات المعتدية اعتدت – أول ما اعتدت – على قوانينها ودساتيرها وشعبها..