ثقافةصحيفة البعث

سورية جسر المحبة

أكسم طلاع

أضافت مديرية الفنون الجميلة إلى حصيلة الأنشطة التشكيلية التي أقامتها هذا العام وتوجت هذا الربيع بإقامة ملتقى التصوير الزيتي في قلعة دمشق وقبله معرض الربيع للفنانين الشباب، وسيتبعه في القادم من الأشهر أنشطة وملتقيات أخرى في المحافظات، والملتقى الحالي “سورية جسر المحبة” المقام في حديقة المتحف الوطني بدمشق، الذي يضم كوكبة من الفنانين المميزين ومن أجيال وخبرات مختلفة، فمن الأسماء المهمة من الجيل الأكبر الفنان خليل عكاري من دمشق وأسامة حسين من دير الزور، كما يتصف الملتقى بتنوع المذاهب الفنية فمن التصوير الواقعي وفن البورتريه الذي تميز به الفنان جان حنا من حلب إلى السوريالية من خلال العمل الذي قدمه الفنان موفق السيد إلى التعبيرية في التصوير كما هو عند نهى جبارة ومفيدة الديوب وعبير الأسد، ولا يمكن إغفال ما تقدمه الفنانة حلا الصابوني التي تشتغل لوحتها بزخم لوني يعنى بتحليل المشهد إلى  مقاطع لونية فيها من خبرة العارف بالتصوير وفن الرسم، وتنحو نحو تأكيد ذاتها الفنية المختلفة عن ظاهرة الصورة البسيطة والمباشرة بإدخالها مخبر عين الفنان التحليلية, كما يعتبر بديع جحجاح صاحب تجربة مختلفة تأخذ منحى غير تقليدي متضمنة روح المغامرة والتجريب اللوني وصولا إلى لوحة تصوير جديدة وبسيطة العناصر، لكنها غنية بالفهم والمعالجة، وربما أن مكمن القيمة في هذه التجربة هو الولوج إلى عوالم المشهد الطبيعي، والتفاعل مع الحالة الأثيرية للصورة لجعل روح التأليف هي التي تنشىء هذه الرطوبة المنعشة في الشجر والفضاء والطريق، لغة روحانية أكثر مما هي لغة الواقع والتصوير المادي، فالمتخيل هو الحاضر في اللوحة لأن هذا الفنان يرسم بقلبه أكثر من يده الماهرة.

لأعمال الفنان جمعة النزهان الذي يشارك بلوحته الغرافيكية  التي لا تشبه إلا عوالم هذا الرجل القادم من المدن والبيوت البعيدة الواقعة على أطراف الماضي من ضفاف الفرات العزيز، تتألف اللوحة من قطوعات طولانية من القاعدة إلى الأعلى حيث الأفق الذي ينتهي عند حدود النخيل والمآذن، في صورة تحاكي ذاكرة أهل القرى المترامية على نهر الحياة الذي يروي سيرة الحضارة القديمة بمنمنمات بقيت على الأعمدة والجدران، مثلها مثل الحكاية التي تنتقل عبر الأجيال عن الخرافة والبطولة.

من الواضح أن هذه الملتقيات قد حققت عبر استمرارها حالة من التقليد الناجح والمفيد للمشهد التشكيلي، ومن الجدير بالذكر أن وجود التجارب المختلفة في المكان الواحد مثل حديقة متحف دمشق الوطني ومشاركة الجمهور بالتفاعل مع هؤلاء الفنانين يحقق المتعة والمعرفة للمتلقي، ويساهم في إنشاء لغة حوار بين الناس والعمل الفني، سيما وأن شرائح كبيرة مشغولة عن أشياء سواها، مما يوفر فرصة طيبة لإخصاب هذه اللغة بين الفنان والناس من جهة وبين الفنانين أنفسهم من جهة أخرى. كما لمس الفنانون المشاركون أن لياقة إقامة الملتقيات الناجحة أضحت من اختصاص مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة، التي وفرت كل أسباب النجاح بكفاءة عالية وصولا إلى النتائج التي تستحق الاحترام والإعجاب والثناء.