اقتصادصحيفة البعث

المستهلك السوري بين الإنفاق القائم والتقنين اللازم

حجم كبير من المستهلكين يشكون من اختلال ميزان الأسرة المالي بالمقارنة بين الدخل المحدود والإنفاق الممدود، ومن المؤكد أن كثيراً من هذه الشكاوى في مكانها، ويتضح ذلك جلياً عند المقارنة بين الدخل الذي ازداد قليلاً والأسعار التي ارتفعت كثيراً، وخاصة – ويكاد يكون تحديداً – فيما يخص شريحة العاملين في القطاع العام، ومعهم الكثير من العاملين في القطاع الخاص المنظم الذي تُعامِل إداراته أعداداً كبيرة من عمالها وفق قانون العمل فيما يخص الراتب، والذي يقارب قانون العاملين الأساسي في الدولة..!

أما شريحة العاملين في المهن الحرة الحرفية والصناعية والمهنية والتجارية والخدمية، فكانت أقل تأثراً؛ لأن كثيرين من هذه الشريحة كانوا وما زالوا يملكون الكثير من الخيارات في رفع دخولهم ذاتياً –أجوراً أو أرباحاً– وقد رفعوها تتابعياً بالتوازي مع ازدياد الأسعار، لا بل إن بعض هؤلاء حقق دخولاً أعلى بكثير، إذ كثير من هؤلاء كانت لديهم مواد مشتراة بأسعار قديمة وارتفعت أسعارها عدة أمثال، فحققوا فائضاً مالياً بأضعاف أضعاف قيمة المواد التي كانت موجودة لديهم.

من حق المستهلكين أن يشكوا من غلاء أسعار جميع المواد التي ارتفعت بوسطي يحوم حول عشرة أمثال ما كانت عليه قبل الحرب العدوانية، ولكن عليهم ألا ينسوا أن جميع السلع كانت وما زالت موجودة أمامهم وبوفرة، ويندر أن افتقدوا وجود سلعة إلا لأيام معدودة ولسلع محدودة، ويندر أن شكت أسرة من جوع، ما يوجب عليهم أن يخففوا من شكواهم، بعد أن تأكد لهم أن مواطني المناطق التي وقعت بيد الإرهابيين عانوا من ارتفاع أسعار جميع السلع بمئات الأمثال وأكثر، إلى جانب ندرة وجودها، وكثير من الأسر شكت الجوع والحرمان، وكل ذلك تم تحت عنوان حرية وثورة وإصلاح، هذا العنوان الخداع المضلل الذي كان السبب وراء جميع شكاوى المواطن الأمنية والمعيشية، على كامل الساحة السورية.

ولما كان من المتعارف عليه أن لكل مواطن حقاً وعليه واجب، فالحد الأدنى أن يقوم بالواجب المفروض عليه تجاه نفسه، وتحديداً واجبه بالسعي لتحقيق الموازنة بين إنفاقه ودخله، وهذا الواجب يتحقق عبر جهوده لإنتاج بعض ما يستهلكه من السلع أو يحتاج إليه من الخدمات، وتخفيف وترشيد استهلاكه من بعض السلع، والعزوف عن استهلاك بعضها الآخر، ومن المؤكد أنه بمستطاعه ذلك حال تفكر وتدبر واعتمد وقرر، خاصة في حال افترض وجوب قيام الدولة بتحقيق هذه الموازنة، ورأى – من وجهة نظره – أنها قصرت في هذا الدور، ومن يلقي نظرة على المواد السلعية الموجودة في  الكثير من المحلات التجارية، يتضح له جلياً أن الكثير من السلع التي يطلبها جميع المستهلكين، لم تكن معهودة الاستهلاك خلال عقود مضت وربما لسنوات خلت، ومن يحكم عقله يجد نفسه أن باستطاعة الأسرة والفرد التقنين باستهلاك بعضها، لا بل الاستغناء كلية عن بعضها الآخر، ولو قنن البعض وخفف التبذير البعض الآخر، لكانت شكاوى الخلل في ميزانية الأسرة أخف مما هي عليه.

كثير من المحلات التجارية تغص بأنواع عديدة من المشروبات الغازية والمشروبات الروحية والمكسرات والشاي والقهوة والمتة والحلويات والمعلبات ومستلزمات الأطفال والمحارم وسجائر الدخان، ومستلزمات الأركيلة، وأغذية الأطفال ومستلزماتهم من الحفاضات وألعابهم، عدا عن المحلات العديدة المختصة بأنواع مادة واحدة، كمحلات العطور والزهور والتبوغ، وأغلب هذه المواد مستوردة على شكل مكونات أو سلع جاهزة للاستهلاك، ومعظم الأسر تستهلكها ولا يكاد يخلو منها بيت، رغم ارتفاع أسعارها، ولو تمعن المستهلك ملياً لعزف كلية عن استهلاك المياه الغازية والخمور لثبوت ضررها وارتفاع أسعارها، ولو استغنى جزئياً أو كلياً عن استهلاك الشاي والقهوة والمتة واستخدم بدلها الأعشاب المحلية الموجودة بكثرة في أراضينا والتي يمكن أن تكون زراعات منزلية لدى الكثير من الأسر، والمتفق على منافعها الصحية، فغرسة إكليل جبل واحدة معتنى بها منزلياً تكفي خمس أسر شراباً نافعاً لمرة أو مرتين في اليوم، ومثلها أعشاب عديدة موجودة في أراضينا، تغني عن المشروبات المستوردة جزئياً أو كلياً، كما أن الحد من استهلاك التبوغ والأركيلة الموجود في كثير من الأسر – بما في ذلك الفقيرة – بالتوازي من الحد أو الامتناع عن استهلاك الكثير من السلع الأخرى يحد كثيراً من شكوى خلل ميزانية الأسرة؛ ما يجعل من المتوجب انشغال الهيئة العامة لشؤون الأسرة بأولوية تجذير سياسة الترشيد الاستهلاكي المطلوبة – بدلاً من انشغالها بالحد من النمو السكاني- بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية، والمنظمات والنقابات والمجتمع الأهلي.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية

 

Comments are closed.