اقتصادصحيفة البعث

تشــــــخيص دقيــــــق لواقــــــع ملتبـــــس.. تقريـــر وطنـــي حـــول مواءمـــة “التشـــييد والبنـــاء” مـــع “البحـــث العلمـــي”..

يتربع عدم وجود قواعد بيانات خاصة بقطاع البناء والتشييد، وتقادم التقانات الموجودة في هذا القطاع، والدخول الخجول للتقانة العالية إليه، على قائمة تحديات هذا القطاع، يضاف إليها عدم وجود مهارات عالية، وضعف تطور الخبرات التقليدية للعاملين بهذا القطاع، وبطء مواكبتهم للتقانات الحديثة، وضعف كفاءة نظام مراقبة الجودة لكافة الأعمال، بدءاً من المراحل الأولى للمشروع حتى مرحلة استثماره، وكذلك ضعف انتشار ثقافة العمل الهندسي وأهميته في نجاح المشروع، بالتوازي مع ضعف التخطيط الإقليمي الشامل والمتوازن، مما ينعكس على كفاءة المشروعات.

نقاط ضعف
ومن تحديات هذا القطاع التي صنّفها تقرير السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار تحت خانة نقاط الضعف، هي عدم وجود نظام حديث لتنظيم أعمال صيانة المشروعات “الصيانة الطارئة، الصيانة الدورية، الصيانة الأساسية”، والدمار الهائل في الأبنية والبنية التحتية، من جراء الأزمة التي تتعرّض لها سورية، إضافة إلى تدهور وضع العديد من الشركات الإنشائية ومعامل إنتاج مواد البناء ومواد الإنشاء.

عوامل قوة
وتبيّن من خلال تحليل التقرير للواقع العام لقطاع البناء والتشييد أن ثمة عوامل قوة يتمتّع بها هذا القطاع، يتصدّرها وجود كادر بشري كبير يعمل بهذا القطاع متوّجاً بتوفر خبرات تقليدية عند العاملين، وتوفر عدد من مكاتب الاستشارات والدراسات المختصة بالبناء والتشييد، يوازيها وجود شركات عقارية كبيرة محلية وخارجية تعمل بهذا القطاع، إلى جانب دخول القطاع الخاص للمشاركة في إنتاج بعض مواد البناء التي كان إنتاجها يقتصر على القطاع العام كالإسمنت.

فرص
ويظهر تحليل الواقع العام لهذا القطاع مجموعة من الفرص التي يمكن استغلالها لتنمية هذا القطاع، من بينها إمكانية الاستثمار فيه وما يتمخض عن ذلك من فتح فرص عمل لكافة العاملين، وبالتالي تنشيط القطاعات المنتجة الأخرى، كما أن الاستثمار في هذا القطاع كفيل بإحداث صناعة متطورة، وتأمين قيمة مضافة لمواد البناء والإنشاء المحلية، وكذلك تنشيط للموارد البشرية، وتعميق مهارات العاملين في هذا القطاع، مع إمكانية استقطاب شركات عالمية كبرى متخصّصة في البناء والتشييد، والاستفادة من خبراتها، وتوفر تقانات عالمية وبرمجيات متطورة يمكن الاعتماد عليها في عمليات تخطيط وتصميم وتنفيذ مختلف المشاريع، وأيضاً إمكانية إعادة تخطيط وتنظيم المناطق المدمّرة وبنائها بطريقة حديثة.
مخاطر
وحذّر التقرير من المخاطر المحيطة بقطاع البناء والتشييد، والمتمثلة باستمرار التراخي في تطبيق أنظمة البناء، وعدم التنسيق بين الجهات ذات الصلة بهذا القطاع وكثرة عددها، وعدم القدرة على الوصول إلى التقانات العالية، إضافة إلى ارتباط الاستثمار بهذا القطاع بالحالة الأمنية والسياسية.

مقترحات بحثية
وخلص التقرير إلى جملة من المقترحات العلمية البحثية أدرجها ضمن محاور أساسية يمكن أن تساهم في تطوير وتحديث قطاع البناء والتشييد، وتساعد في حلّ المشكلات التي يعاني منها، ففي محور تطوير مواد البناء والإنشاء اقترح التقرير إجراء دراسات سريعة حول الطرائق المثلى للاستفادة من الأنقاض والردميات، وأخرى تطبيقية سريعة للمواد التقليدية ومكامنها اللازمة لأعمال ترميم البيوت التراثية والتاريخية، وبحوث لتطوير المواد الخاصة التي تضاف للخلطات الخرسانية، من ملدنات ورافعات تشغيل ومقاومة وغيرها، إضافة إلى بحوث ودراسات حول مدى فعالية استعمال الألواح الخشبية الإسمنتية في عملية البناء، وبحوث في مجال تطوير واستعمال مواد وعناصر عازلة حرارياً، إلى جانب بحوث في مجال العناصر المسبقة الإجهاد والمسبقة الصنع، وتطوير أساليب تنفيذها، مع دراسات بحثية لتطوير مواد بناء ومواد إنشاء بالاستفادة من التقانة النانوية.

محور التخطيط
أما في محور التخطيط وأنظمة البناء، فتمّ اقتراح دراسات تطويرية لواقع المخططات التنظيمية وأنظمة البناء في الضواحي السكنية والأرياف، ودراسة موسّعة لنماذج سكن الإيواء والسكن المؤقت، والتي ستساهم في حلّ الأزمة الحالية وأزمة السكن العشوائي، وبحوث لتقييم الأسس المعتمدة في التخطيط الإقليمي، وإيجاد أسس حديثة متطورة، إضافة إلى دراسات وبحوث في مجال الأنماط السكنية في التشييد السريع، وانعكاسها على النسيج العمراني والمخططات التنظيمية الحالية، وكذلك دراسات حول أنظمة البناء في الدول المجاورة، والدول التي لديها إنتاج معماري ناجح للاستفادة منها، إلى جانب دراسات وبحوث حول العمارة الذكية والبيئية، ووضع الضوابط المعمارية أثناء عملية إعادة إنتاج النسج المعمارية، ضماناً لبنية معمارية مواكبة لاحتياجات التنمية على كافة المستويات.

طرائق التنفيذ
وساق التقرير في مجال التصميم وطرائق التنفيذ اقتراحات عدة تتمحور حول إجراء دراسات وبحوث حول أفضل الطرائق لترميم وتدعيم المباني حديثة العهد، المتصدعة أو المهدّمة جزئياً، وأخرى حول إمكانية تطوير استعمال الهياكل والمنشآت المعدنية والمختلطة في البناء، ومدى انسجامها مع مواد الإكساء المحلية، وطبيعة الاستثمار المحلي، مع إجراء بحوث لإنجاز خرائط الرياح المرصودة، أو تحديث الخرائط القديمة، والتأكيد على الالتزام بها عند التصميم، وأيضاً إجراء بحوث في مجال العمارة الخضراء والعمارة المستدامة، والاستفادة من التجارب المحلية “مشروع العمارة الخضراء في وزارة الأشغال العامة والإسكان”، فضلاً عن إعداد دراسات بحثية لتطوير منهجيات تأهيل الكوادر الهندسية، على كافة المستويات (دورات إعداد مستمر، دبلوم تأهيل.. الخ)، وخاصة في مجال الترميم والتدعيم للمنشآت الهندسية المختلفة، إلى جانب دراسات لإعادة تأهيل وتسريع عملية الإنتاج في معامل مسبق الصنع، المتوفرة لدى شركات القطاع العام، وبحوث لتطوير طرائق التنفيذ المبنية على برامج المحاكاة، مع بحوث لتطوير أساليب تصميم المنشآت المختلطة.

نظم الجودة
أما في محور تطوير نظم الجودة والمواصفات والمعايير، فقد ركز التقرير على أهمية وجود بحوث لتحديد سلوك أنواع الجمل الإنشائية المختلفة، بغية تطوير الكود الهندسي، وتعديل كودات الأبنية، لتتضمن متطلبات الوقاية والحماية الذاتية للأبنية الطابقية، بما يخصّ الدراسات المعمارية والكهربائية والميكانيكية، إضافة إلى دراسات لتطوير أنظمة التحكم بنوعية التنفيذ لضمان الجودة المطلوبة، ودراسات بهدف وضع كودات لكافة الأعمال الهندسية، والتركيز على تضمين الأثر البيئي مثل المنشآت المعدنية، الطرقية، المائية، المركبة من الفولاذ والبيتون.. الخ، مع التركيز على وجود بحوث لتطوير مؤشرات قياس أداء صناعة البناء والتشييد على مختلف المستويات، وأخرى لتطوير نظم إدارة الجودة في كافة المؤسسات والشركات المرتبطة بقطاع البناء والتشييد.

تمنطق زلزالي
وشملت المقترحات المتعلقة بمحور الأمان والسلامة الإنشائية ضرورة إعداد دراسات لإنجاز خرائط التمنطق الزلزالية في سورية، بغية الاستفادة منها عند إقامة المنشآت الحيوية، وكذلك دراسات وبحوث زلزالية لإنجاز خرائط ومخططات تزوّد بالمعطيات السيسمولوجية لكودات وأنظمة البناء، إضافة إلى بحوث متعلقة بعوامل الأمان في التصميم الإنشائي مع إدخال أحمال الرياح والمناخ.. الخ، وكذلك إعداد دراسات وبحوث لتطوير جمل إنشائية تتناسب مع التنمية المستدامة وفق الشروط المحلية.

جدوى وتكاليف
ولحظ التقرير أيضاً محور دراسات الجدوى والتكاليف، مبيناً ضرورة إجراء دراسات حول مؤشر الكلفة، مصنّفة حسب نوع المشروع وموقعه وطرائق التنفيذ، وإعداد دراسات جدوى للمقارنة بين ترميم بعض الأبنية المتضررة المهدّمة جزئياً، وبين إزالتها بالكامل وبنائها من جديد، وتحديد الإنتاجية لليد العاملة والآليات، والتفاعل بين الآلة واليد العاملة، وإجراء بحوث لتطوير منهجية دراسات الجدوى من عدة جوانب، وتطوير طرائق التمويل لمشاريع البناء والتشييد، وتطوير نظام تقييم العقارات بغرض الاستثمار أو الحصول على تمويل.

توطين التقانة
وتطرّق التقرير إلى توطين التقانة ونقل المعرفة من خلال دراسات لنقل المعرفة التقنية في تطوير صناعة السقالات وتركيبها وقوالب الصبّ، بالتوازي مع دراسات لنقل المعرفة التقنية في مجال تصنيع جميع أنواع الخرسانة، وخاصة الخرسانة الخفيفة وذاتية الارتصاص، مع إعداد دراسات لنقل المعرفة في تصنيع مواد الإكساء، من مواد عزل وأنواع خاصة من الدهان والإكسسوارات الصحية والخشب والألمنيوم والسيراميك الخاص وغيرها، وكذلك دراسات لنقل المعرفة التقنية وتوطينها في مجال تصنيع العناصر المسبقة الصنع والمسبقة الإجهاد، وأيضاً دراسات لنقل المعرفة وتوطينها في مجال العمارة المستدامة وتطوير الأبنية البيئية.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com