صحيفة البعثمحليات

دعاوى المخاصمة.. عدالة تضع هيبة القضاء في ميزان الجدل..؟! القانون الإداري الجديد يدرس الإدراج.. والإجراءات المعقدة تضع المدعي في خيار “اللا تخاصم”

 

دمشق – ريم ربيع

لم تساعد سنوات إقرار رفع دعاوى مخاصمة القضاة في قانون أصول المحاكمات المدنية في جعل هذه الخطوة كغيرها من القضايا لجهة الشكل والمضمون، إذ بقيت مسألة التعرض لشخص القاضي والنيل من هيبة القضاء موضع جدل كبير، بين من يعتقد أن هذه الدعوى تنال من حياة القاضي الشخصية وليس من المحبذ اللجوء إليها، مستنداً برأيه هذا إلى الإجراءات الشكلية الطويلة والمعقدة التي تتطلّبها هذه الدعوى في القضاء العادي، إذ يُطلب من المخاصِم تصوير الإضبارة كاملة والوثائق التي قد تتجاوز 150 صفحة سبع نسخ وأكثر، فيما عدا الطوابع على كل وثيقة وإلا فترد القضية شكلاً، ما يدفعنا للتساؤل فيما إذا كان كل هذا التعقيد والتكاليف المرهقة للمواطن وُجدت كرادع يدفع صاحب الدعوى للتفكير مئة مرة قبل اللجوء للمخاصمة.! في حين يرى قسم آخر أنها وسيلة حضارية متبعة في جميع الدول ولا تتعدى على شخص القاضي بأي شكل، ولاسيما أن الأخير يمكن أن يخطئ كأي إنسان عادي عن قصد أو غير قصد، ومن الضروري مراجعة الحكم في حال وجود خطأ جسيم، ويطالب أصحاب هذا الرأي بوجود دعوى المخاصمة في القضاء الإداري ومعاملة قضاة مجلس الدولة كما يعامل قضاة القضاء العادي، متسائلين عن سبب عدم وجودها حتى الآن، فهل القاضي الإداري منزّه عن الخطأ، في حين القاضي العادي غير ذلك.؟
رئيس مجلس الدولة المستشار عبد الناصر الضللي ورغم أنه لا يحبذ وجود مخاصمة للقضاة في القضاء الإداري لكون البعض يستغلها لإطالة أمد الدعوى فقط، إلا أنه يؤكد وجود اقتراح بإصدار هذا القانون ضمن المناقشات الحالية لتحديث القانون الإداري والتي أصبحت في المراحل النهائية، مضيفاً أن قرارات مجلس الدولة كلها جماعية بحيث لا تقل عن ثلاثة قضاة يصدرون الحكم مما يقلل نسبة الخطأ، وفي حال وقوع خطأ جسيم من الممكن المطالبة بانعدام الحكم (وهو دعوى مبتدئة تقام أمام المحكمة مصدرة القرار) الأمر الذي يأخذ مجرى أبسط من دعوى مخاصمة القضاة التي تأخذ طريقاً “غير عادي”.
مدير الشؤون القانونية في جامعة دمشق د.نبيل المقداد يرى أن إجراءات انعدام القرار مختلفة عن المخاصمة، ولا يمكن أن تحل محلها، بدليل وجود كليهما في القضاء العادي، كما أن قانون انعدام القرار غير منظم جيداً وهو بحاجة إلى دراسة عميقة لتفعيله بشكل أفضل، مضيفاً أن تنظيم المخاصمة مؤخّراً في قانون أصول المحاكمات المدنية دليل على أهميتها وفاعليتها. وخلافاً له يؤكد مدير القضايا والشؤون القانونية في المحافظة عبد الحليم أبو ضاهر أن انعدام القرار وإعادة المحاكمة قد تغني عن مخاصمة القضاة في حال تم تنظيمها وتفعيلها بشكل جيد، عازياً غياب دعوى المخاصمة عن القضاء الإداري لعدم وجود محكمة نقض في مجلس الدولة، إلى جانب اتخاذها طريقاً غير عادي لكونها تحتاج لعيب واضح في بنود الحكم . ويطالب أبو ضاهر بإيلاء قدر أكبر من الاهتمام والمتابعة لموضوع المراسلات بين الجهات المختلفة، إذ إن تأخيرها أو وجود خلل فيها يتسبب بإصدار أحكام لا يمكن تنفيذها؛ مما يضطرهم للمطالبة بإعادة المحاكمة ببعض القضايا، مثل عوائد الأملاك العامة أو رسوم مخالفات بناء أو تسويات يترتب عليها رسوم كبيرة، في حين يعطي الاهتمام بسرعة المراسلات ودقتها كاستخدام الفاكس وزيادة عدد المندوبين بين الجهات المختلفة ناتجاً جيداً لصالح المؤسسات الحكومية.
وعود على كلام د.نبيل المقداد الذي يقترح أن تكون مخاصمة قضاة القضاء الإداري أمام محكمة النقض في القضاء العادي، حيث تشكل غرفة مشتركة خاصة تضم قاضياً من القضاء الإداري واثنين من القضاء العادي لتجنب حدوث أي عيب في الحكم الصادر، مؤكداً أن هذه الدعوى لا تتعلق بشخص القاضي وإنما بالعمل القضائي، ولا شيء يمنع وجودها لحفظ تطبيق القانون وإحقاق الحق، ولاسيما أن إجراءاتها في القضاء الإداري قد تكون أسهل وأكثر سرعة ومرونة من القضاء العادي، والمطالبة بوجودها تعود بشكل أساسي لوجود خطأ بتطبيق القانون، مثل نفقات الموفدين والمنازعات مع المتعهدين المتعاقدين مع الجامعة.
أما الرأي الأكاديمي يأتي على لسان د.محمد حاتم البيات العميد السابق والمدرس في كلية الحقوق الذي يؤكد أن دعوى المخاصمة تنال من القرار وليس من شخص القاضي، وأصبحت اليوم دعوى شائعة يلجأ إليها في حالات عدة، وهي وسيلة طعن غير مباشرة شرط أن يكون الحكم مكتسباً درجة قطعية، كما أنها مرهونة بوجود خطأ مهني جسيم حُدِّد حسب المادة /466/ من قانون أصول المحاكمات المدنية التي نصت على: (تقبل مخاصمة القضاة وممثلي النيابة العامة إذا وقع من القاضي أو ممثل النيابة غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم، وفي حال امتنع القاضي عن الإجابة عن استدعاء قدم له أو عن الفصل في قضية جاهزة للحكم )، وغرفة المخاصمة في محكمة النقض هم أصحاب السلطة في هذا الموضوع، وهم يقدّرون وجود خطأ مهني جسيم أو لا.
ويشير البيات إلى أن قانون مجلس الدولة منع مخاصمة قضاة المجلس بنص واضح وصريح، وتم تعديل القانون عدة مرات ولكن لم يعدل هذا النص، كون المخاصمة مسؤولية “مدنية” تقوم على أساس الخطأ. وعن الفرق بين دعوى مخاصمة القضاة وانعدام القرار يوضح البيات أنه في حال الموافقة على دعوى المخاصمة فإن نتيجة الدعوى تعاد إلى المحكمة التي صدر منها الحكم على وجه الطعن ويعاد الحكم من جديد، بينما في حال انعدام القرار فلا يعاد النظر بالقضية إلا بحال تقديم دعوى إعادة المحاكمة، كما أن دعوى انعدام القرار لها أسبابها وشروطها الخاصة المختلفة عن انعدام القرار، إذ يمكن لانعدام القرار أن يصدر عن جهة قضائية غير مختصة.
ختاماً إذا كان مجلس الدولة هيئة قضائية استشارية مستقلة تراقب عمل الحكومة، فهل تعد هذه المراقبة أنزه من الوقوع في أي خطأ؟ أو أن كل مراقب بحاجة إلى سلطة أعلى تراقب عمله كما في القضاء العادي؟