دراساتصحيفة البعث

كوريا الديموقراطية وقوة الإرادة الوطنية

 

د. صابر فلحوط

سيتحدث المحللون السياسيون طويلاً عن قمة “سنغافورة” التي جمعت الرئيسين الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون، والأمريكي دونالد ترامب، والتي كانت تستهدف (نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية)، إضافة إلى علاقات التعاون المشترك بين البلدين الكوري الديموقراطي والأمريكي بعد “دهر” من القطيعة والعداء.

وبالنظر للسجل الرجراج، والمزاج الزئبقي للرئيس الأمريكي، فلا بد أن يوضع في خانة التكهنات والتخمينات كل ما يصدر عنه، خاصة وأن المدة التي انصرمت من عمره الرئاسي لا تدعو للاطمئنان، ولا تشي بالحرص على السلام والأمن واحترام إرادة الشعوب من قبله!.

ولعل الأمثلة الساطعة على ارتكابات ترامب، بدءاً بإطلاق الرصاص على الاتفاق النووي مع إيران، والذي يعد الاتفاق الأشهر في هذا القرن، حيث اعتبر غداة توقيعه إنجازاً هائلاً على طريق الاستقرار في المنطقة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك انسحاب ترامب من مضامين البيان الختامي لقمة مجموعة السبع الاقتصادية، وإصداره القرارات الاقتصادية والجمركية حول العلاقات بين الدول، ومحاولته رفع الجدران الفاصلة بين أمريكا وجيرانها الأقرب، مع الإشارة إلى ثالثة الأثافي، وهي نقل السفارة الأمريكية  إلى القدس المحتلة في تحدٍ سافر لأكثر من ثلث سكان المعمورة الذين يؤمنون أن القدس عاصمة لفلسطين، وهي (طريق الروح  إلى السماء).. كل ذلك يجعل هذا المقاول، كما تقول الصحافة الأمريكية نفسها الطارىء على عالم السياسة موضع تحسب، وشك، وألف سؤال!!.

غير أن ثقتنا بالشعب الكوري الديموقراطي، وقيادته التي نجحت بامتياز في امتحانات الإرادة الصلبة، ومواجهة الحصارات الطويلة والظالمة خلال عقود مريرة وخطيرة، وعدم تنازلها عن ذرّة من الحقوق والكرامة، ستفرض على الجانب الأمريكي التوازن في التعامل لمصلحة الشعبين الكوري الديموقراطي والأمريكي، وبما ينعكس إيجاباً مع الأمن والسلم العالميين.

لقد قدّر لنا بحكم المهمة الصحفية أن نزور “بيونغ يانغ” العاصمة الكورية الديموقراطية  غير مرة.. وفي إحدى الزيارات وكنا ضمن الوفد الإعلامي المرافق للقائد المؤسس حافظ الأسد عام 1974، شهدنا كيف يتدرب الأطفال وهم في سن دون العاشرة على حل وتركيب الأسلحة المتعددة بما فيها محركات الدبابة (ت72، والطائرة ميغ 21). أما محطات المترو، وكما شرح لنا الخبراء المرافقون، فإنها الأعمق بين مثيلاتها على مستوى العالم، وأنها تصلح أن تكون ملاجئ لحماية الشعب الكوري من الضربات النووية، إضافة إلى مهماتها في التواصل والاتصال، ونظافة البيئة، واختصار المسافات، أما المطارات المشادة في أماكن لا تراها الشمس تحت الجبال الشاهقة والمشجرة، إضافة إلى التنظيم الشعبي الحديدي الذي يمثل ذروة الالتزام والانضباط والإيمان بالنفس وبالقيادة، فهو مظهر، ومخبر، قل نظيره.. وأذكر كما يذكر جميع من كانوا في ظل الزيارة التاريخية للقائد المؤسس، كيف استثمرنا إعجابنا بتنظيم الطلائع والشبيبة الكورية خلال إعدادنا لمنظمات الطلائع والشباب في بلدنا.

لقد كتبت الكثير من الصحف الكبرى خلال عقد السبعينيات أن هناك ثلاث دول تتشابه في جسارة المواقف، وجدارة النصر، والإصرار على مواجهة جبروت الاستعمار، وهي كوبا، وكوريا الديمقراطية، وسورية، وأعتقد أن هذا التحليل والتوصيف للدول الثلاث مازال موضع التقدير والإكبار عبر استمرار التمسك بالكرامة الوطنية، والتضحية في سبيل سيادة القرار المستقل.

إن الأسلوب النضالي الذي تنتهجه سورية العربية في مواجهة أعداء الشعوب متمثلين بالصهيونية العالمية والامبريالية الأمريكية الأوروبية، والإرهاب التكفيري الوهابي النفطي خلال الحرب الوطنية العظمى هو الذي جعل منها مدرسة عالمية في قدرة شعب، في جغرافية محددة، وديموغرافيا متواضع عديدها، تكتسب هذا المجد الباذخ، والتقدير العالي بين الدول بفضل براعة قيادتها، وصمود شعبها، وتضحيات جيشها الأسطوري، وانتصاراته المشرّفة، والتي لابد أن تسهم في تعديل الخرائط والمفاهيم الدولية، وترسّخ مبدأ احترام إرادة الشعوب، وسيادة كلمتها، وحرية قراراتها الوطنية.