الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

طلحت حمدي في ذكراه السادسه

 

كانت ذبحة قلبية وبعدها كان رحيل هادئ رغم النار التي تستعر حوله، ما من ضجيج يصدره فيغطي ولو على بعض من الضجيج الذي كان حينها، واليوم وبعد ست سنوات على ذلك الرحيل، يعود طيف فنان جميل كما زمنه وفي خريف لاهٍ، ليشغل مكانه بالروزنامة بعد أن انضم إليها وصار من الأسماء التي تحملها مخبرة بضعة سطور عن حياته ومنها تاريخ وفاته؛ إنه الفنان الجميل “طلحت حمدي” -1941-2012- الذي أغلق عينيه المتوهجتين على وجع وطن عاش في حناياه وكبر بين روابيه وحواريه، وطن سعى حمدي من خلال أعماله المهمة في كل من المسرح والسينما والتلفزيون، إلى حمل راية التنوير الفكري الشاقة، معبراً عن رؤيته لمهمة الدراما في تسليط الضوء على المشكلات الاجتماعيّة، مترجماً هذه الرؤية من خلال عمله الدؤوب في الدراما السورية إلى أعمال تركت بصمتها التي لا تنسى في الذاكرة الشعبية من (أنشودة المطر، حارة الجوري، طرابيش) العمل الذي أثار زوبعة عام 1992 بتسليطه ضوءا قوياً على أهم قصة من قصص الفساد التي مرت بالبلاد وهي قصة فساد جامعي الأموال في سورية، إلا أن الإهمال الذي أصاب روحه التي لم يصدأ الزمان فيها بعد، تركت آثارها البالغة في دواخل الرجل الذي هو من أوائل مؤسسي الدراما المحلية، لكن هذا لم يقعده عن لعب دور ولو من باب من رأى منكرا فليغيره ولو بلسانه، خصوصا وموضة الدراما التركية وهي تجتاح الشاشات العربية، عدا عن الشللية التي أصابت جسد فن الدراما في البلد، وتركته مقعد الروح التي لم تفقد جرأتها حتى وهي مُحاربة من أغلبية من يعملون في هذا القطاع لأسباب مختلفة، وهو في هذه الحال، قال رأيه بما يظنه يسيء للحكايات التي اختبرها بنفسه كدمشقي عتيق، فيما يخص ما افترض على تسميته “دراما بيئة”، عندما قال واصفا العديد من تلك الأعمال بل وأشهرها: “إن هذه الأعمال صورة مشوهة عن بيئتنا الحقيقية وتزييف لا يليق بنا وبتاريخنا” كما أنه لم يقعد على حيف “مهند وعشيقاته”محذرا من مغبة دبلجة تلك الأعمال التي لها توجه لا يخفى على كل عاقل، على الدراما المحلية، وعلى الحالة السورية التي كانت سائدة حينها، رابطاً بحدسه الأصيل بين ما يجري على الساحة الفنية وما يجري على أرض الوطن، بمقولة بسيطة وعملية: “عدو جدك ما بيودك”.
ست سنوات على هذا الرحيل الذي اختار أن يكون هادئا، على عكس صاحبه، الرجل الذي ضجت فيه الحياة وضج بها، فقدم من الأداء أجمله في مهنة شاقة، لا يلمع فيها حسب المعايير الحقيقية للتقييم، إلا كل ذو حظ عظيم.
تمّام علي بركات