دراساتصحيفة البعث

هــــــــل بقيـــــت البضاعـــــــة الأمريكيــــــة صالحــــــة؟

 

عبد الرحمن غنيم – كاتب وباحث من فلسطين

ما حدث في البصرة مؤخراً أثار السؤال عن المنطقي وغير المنطقي في السلوك، وعن دور أمريكي في اللعب، وعن أهداف أمريكية من وراء هذا اللعب، وأوجد في الوقت نفسه دوافع التصدّي لهذا الدور وإحباطه، ولا ريب أن هذا التصدّي يرتكز الآن على تجربة تاريخية في مواجهة أساليب العبث الأمريكية القائمة على إثارة الفتن، وإذا كان هناك من درس تعلّمناه من تجربة “الربيع العربي” بكل أبعادها العجائبية منها والمنطقية، وكانت عجائبها هي الطاغية على ما هو منطقي فيها، فهو أن دهاقنة العلوم السياسية في أمريكا، وهي علوم تنصب حصراً على الظواهر السلوكية، وتحديداً على صناعة الفتن، نجحوا في بعض الحالات في إيجاد المداخل والأدوات التي تمكنهم من صنع الظاهرة الجماهيرية في الوطن العربي، وتسخير هذه الظاهرة لخدمة أهداف السياسة الأمريكية، ولعل آخر الأمثلة على هذه المسألة يتمثّل فيما شهدته البصرة مؤخراً من أحداث، وإن كان من السابق لأوانه الحكم على حجم المشكلة، أو تحديد النتائج التي يمكن أن تترتب عليها!.

دعونا نسلّم بداية بالحقيقة القائلة بأن الظاهرة الجماهيرية، وهي ظاهرة هيجانية، ليست تلقائية، ولا يمكن أساساً أن تكون تلقائية، فإما أن يفجرها حدث، أو أن تفجرها إرادات تتفق مسبقاً على تحريكها وتفجيرها، وتختلق لذلك الأسباب والدوافع، مستغلة كل ما تستطيع استغلاله من الدوافع، وحتى في أمريكا نفسها، حيث تعرّف أصحاب العلوم السياسية على الظاهرة الجماهيرية من ملاحظة الأسلوب الذي تتشكّل به في الشارع الأمريكي، فإن الظاهرة لا تنشأ هكذا بالصدفة، يقع خلاف بين مواطنين أمريكيين، أحدهما أبيض، والثاني أسود، ويتطور إلى شجار، ينحاز المواطنون البيض تلقائياً إلى المواطن الأبيض، وينقضون على المواطن الأسود فيشبعونه ضرباً حتى الموت، أحد هؤلاء المواطنين البيض الذين شاركوا فعلياً في اقتراف جريمة القتل، عالم سياسة أمريكي، هذا العالم، بعد أن تلوثت يداه بدم الضحية، وبعد أن تحوّل من عالم محترم إلى قاتل ليس بالمحترم، راح يتساءل عن دوافعه الخفية التي جعلته ومن شاركوه فعلته من البيض يقدمون على فعلتهم، وهكذا استنتج أن هناك جانباً خفياً في دخيلة المواطن الأمريكي يتحكم في سلوكه تحت تأثير ظروف معينة، هذا الجانب الخفي نستطيع إدراجه في نطاق علم النفس الاجتماعي، مثلما نستطيع إدراجه أيضاً في نطاق علم السياسة، وأن نجد الرابط بينه وبين الاتجاه السياسي.

بغض النظر عن شرعية وأخلاقية أو لاشرعية ولاأخلاقية الشعور الذي دفع المواطنين البيض إلى التكتل وتشكيل ظاهرة جماهيرية نجم عنها قتل المواطن الأسود، وما يعبّر عنه هذا الفعل من عدوانية مفرطة لا يمكن لأحدنا أن يجد مبرراً لها، إلا أننا نستطيع القول بأنه في مكان ما من نفوس الفاعلين أو اللاشعور عندهم يوجد احتقان عنصري عند الأبيض في نظرته إلى الأسود، وهذا الاحتقان ليس وليد ساعته، وإنما هو وليد تجربة اجتماعية وسياسية طويلة مارس خلالها الأبيض سياسة اضطهاد الأسود، ما ولّد لدى الأسود مشكلة الشعور بالاضطهاد، وهكذا بات الأبيض يخشى تلقائياً من انتقام الأسود، ومن المؤكد أن مثل هذه المشاعر نمت وتكرّست على مدى زمني طويل، وأسهمت فيها التربية الاجتماعية، مثلما أسهم فيها المنطق الإعلامي، وباختصار، فقد تضافرت عوامل عديدة لتجعل من ظاهرة العداء بين الأبيض والأسود أحد المظاهر الملازمة للحياة الأمريكية، بحيث تنفجر الظاهرة الجماهيرية ضد السود بمجرد قدح الزناد، بغض النظر عمّن يقدح هذا الزناد، أو لنقل إنها ظاهرة نائمة تستفيق بمجرد حدوث ما يوقظها.

قد يكون من الظلم الفادح أن نقارن بين البنية النفسية في المجتمعات العربية، والبنية النفسية في المجتمع الأمريكي، كما أنه من الظلم الفادح أن نتصور بأن الظاهرة الجماهيرية جرى تصنيعها في الوطن العربي دون أن تكون لها أسباب محلية أسهمت في جعل تصنيعها أمراً ممكناً، وإن كان من الطريف أن نلاحظ بأن هذه البضاعة، وبأسلوب تصنيع الظاهرة الجماهيرية تحديداً، إنما وجدت سبيلها في مصر وتونس، حيث كان النظامان السياسيان فيهما تابعين للأمريكيين، بمعنى أن الدوافع الفعلية للحراك الشعبي كانت ضد أمريكا وميراثها بالدرجة الأولى، ففي ليبيا كانت المؤامرة على القذافي متعددة الأدوات، وكان التدخل العسكري الأجنبي المباشر من بين هذه الأدوات، وفي سورية أخفق الأمريكي إخفاقاً كاملاً في صنع الظاهرة الجماهيرية المعارضة للدولة، رغم أنه بذل الكثير من أجل ذلك ولكن دون طائل، وهذا ما دفعه إلى عسكرة الحرب على سورية، واستقدام إرهابيين من مختلف أنحاء العالم لاستهدافها، لكن هذا لا يعني أن الأمريكي، حتى وهو يلجأ إلى عسكرة الحرب، لم يكن يشن حرباً نفسية ودعائية تضليلية كاملة متكاملة جنّد لخدمتها آلته الإعلامية على مستوى العالم كله، بهدف الوصول إلى غايته في الهيمنة على سورية أو تمزيقها، وهذا كان مترافقاً منذ اللحظة الأولى مع حرب اقتصادية لا هوادة فيها، ومع إغواء مالي بهدف استقطاب عملاء أسهمت فيه الأنظمة المتواطئة الخليجية لا حدود له، ومع تعبئة ائتلاف دولي من 80 دولة، وتحالف دولي من 60 دولة، ومع استقطاب عملاء زعموا أنهم معارضة بهدف تزييف المشهد، ومع تهديد مستمر بالعدوان، بل ومع ممارسة فعلية للعدوان من حين إلى حين.

لقد نجح الأمريكي من خلال حربه هذه في تشريد ملايين المواطنين السوريين من بيوتهم، سواء إلى خارج بلادهم أو داخلها، ولكنه لم ينجح في تصنيع ظاهرة جماهيرية حقيقية واحدة يُحشد فيها الكثيرون مثلما حدث في مصر وتونس، وهذا الفشل كان مردّه قوة الشعب العربي السوري وتماسكه، وفشل محاولات الوقيعة بين أبنائه، بل إن ما حدث عملياً هو أن المسيرات المليونية خرجت مراراً وتكراراً للتعبير عن رفضها للمؤامرة، ومساندتها للدولة السورية، وفشل الأمريكي في أن ينفذ خطته كما كان يأمل، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج القائل بأن جماهير الشعب العربي السوري هزمت المؤامرة قبل أن يبدأ الجيش العربي السوري في تسجيل انتصاراته المتوالية على أدوات المؤامرة من الإرهابيين، ومن المؤكد أن الجيش ما كان ليحقق هذه الانتصارات لو لم يكن الشعب ظهيراً له في الصراع.

والآن بينما معركة الإجهاز على ما بقي من الإرهابيين في سورية تشق طريقها نحو الانتصار الأكيد، تأخذ المؤامرة الشيطانية التي تديرها أمريكا منحى استهداف العراق، ويأتي هذا الاستهداف في أعقاب الانتصار الذي حققه العراق على “داعش”، وهنا نلاحظ مرة أخرى أن الأمريكي يحاول تحقيق أهدافه في العراق بوسائل متعددة من بينها استغلال الظاهرة الجماهيرية حيثما أمكن ذلك.

صحيح أن ما حدث في البصرة من حراك شعبي له دوافعه المطلبية المحلية المشروعة، بل الأكثر من مشروعة، ولولا ذلك ما كان الحراك، ولكن استثماره وإدارته تدل بشكل أكيد على وجود يد أمريكية عابثة أرادت استخدامه فيما يخدم أهداف واشنطن، فالحرائق التي أشعلت، والجهات التي استهدفت، وعمليات القنص الخفية التي نفذت، كلها تدل على اليد الأمريكية التي أرادت أن تجعل مما حدث في البصرة مدخلاً للعبث بالعراق كله، وذلك من خلال إثارة فتنة بين أبناء البصرة نفسها، وتوسيع هذه الفتنة لتشمل العراق كله بعد ذلك، وهي محاولة يكفي للدلالة عليها ذلك الدور الذي يلعبه المبعوث الأمريكي إلى العراق في محاولته الرامية إلى ترتيب الوضع السياسي على النحو الذي تريده واشنطن، وليس على النحو الذي أراده الشعب العراقي من خلال الانتخابات، أي أن أمريكا تريد محاصرة العملية الديمقراطية، وأن تخضعها للأهواء والحسابات الأمريكية التي هي خاضعة بدورها للأهواء والحسابات الصهيونية.

إن هذا عملياً هو أقرب الاستنتاجات وأكثرها وضوحاً، إذ إنه يعلن عن نفسه في كل يوم، بل في كل ساعة ودقيقة من خلال نشاطات المبعوث الأمريكي، لكنه ليس الهدف الأمريكي الوحيد، فمن وراء الحرص على التحكم بالسلطة جملة أهداف يسعى الأمريكي إلى تحقيقها في العراق.

لقد اعتقد الأمريكي الذي لعب في العراق بعد احتلاله عام 2003 لعبة الإيقاع بين مكوناته المذهبية والطائفية والقومية، أنه نجح خلال الفترة الأخيرة في شق صف الأغلبية الحاكمة، وأنه إذا ما أدخله في أجواء الفتنة، صار بوسعه إحكام قبضته على كل المكونات، وغاية الأمريكي من وراء هذا العبث أن يحوّل العراق بشكل أو بآخر إلى حاجز عازل بين سورية وإيران، ابتداء من الوقيعة بين العراق وإيران على خلفية إلزام العراق بتنفيذ العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب على إيران، ولكن الخطة الأمريكية لا تقف عند هذا الحد، فالوقيعة داخل المكون الرئيسي يراد لها أن تشجع المكونات الأخرى على تغليب منطق الانفصال، أو على الأقل منطق الاعتماد على الحماية الأمريكية، وهنا لابد أن نفكر بالأوضاع التي حاول الأمريكي إيجادها على الحدود السورية العراقية من خلال “داعش” والعصابات الإرهابية الأخرى التي يحتضن بقاياها في التنف محاولاً أن يلعب لعبة قاطع الطريق بين دمشق وبغداد، وهنا يعني أولاً وقبل كل شيء إبعاد الحشد الشعبي عن الحدود السورية- العراقية ولو بخلق فتنة في مكان آخر يبدو نائياً عن هذه الحدود مثل مدينة البصرة، رغم علمه اليقيني بأن البصرة أمدّت الحشد الشعبي بالكثير من مقاتليه، وكأنه بإثارة الفتنة فيها ينتقم من بنيها، وهذا ما يفسر الاعتداء على مقر الحشد الشعبي في البصرة في إطار الاحتجاجات التي شهدتها المدينة، ما أكد الاستغلال الأمريكي المدروس للظاهرة الجماهيرية، ومحاولة أخذها إلى غير أهدافها، من خلال عناصر مندسّة كلفت بتنفيذ مهمات معينة مدروسة تحت غطاء الظاهرة الجماهيرية، وتكفي صور لابسي الأقنعة ممن زاولوا التخريب المقصود لفهم الموقف، فارتداء القناع مسبقاً في مثل هذه الحالات هو دليل النوايا السيئة المبيتة.

إنه لمن الضروري ونحن نراقب المحاولة الأمريكية للعبث بأمن العراق والتحكم بتشكيل حكومته بغية التحكم الدائم بسياسته، أن نلاحظ أيضاً الارتباط بين هذه المحاولة ذات الطابع السياسي وبين أمرين: أولهما استغلال من أنقذهم التحالف الأمريكي من عناصر “داعش”، سواء في شن الهجمات الإرهابية على أهداف عراقية، وخاصة في الشمال، عدا عن الهجمات التي تنطلق من المنطقة الشرقية لمحافظة دير الزور، أو في القيام بعمليات إرهابية ضد إيران انطلاقاً من كردستان العراق، وثانيهما الإصرار الأمريكي على توسيع التواجد الأمريكي في شمال شرق سورية وربطه بالتواجد الأمريكي في العراق، وسواء اعتمد الأمريكيون على “قسد” أو بقايا “داعش” أو عصابات أخرى، فهو يعطي الدليل الواضح على وجود محاولة أمريكية لتوسيع وتصعيد الإرهاب في المنطقة، ولابد لهذه المحاولة من أن تستهدف سورية والعراق معاً، ولعل الأمريكي يتصور أنه من خلال هذا التصعيد يشكّل ضاغطاً على معركة تحرير ادلب التي يحاول إعاقتها بكل السبل والوسائل.

على أية حال، إن توقيت الأحداث في البصرة يرتبط بجملة معطيات يكمل بعضها بعضاً، بدءاً من الاستحقاق الدستوري في العراق، مروراً بعلاقات العراق مع جيرانه، وخاصة مع سورية وإيران، ووصولاً إلى إطالة عمر الإرهاب، سواء كان هذا الإرهاب يستهدف العراق وسورية، أو يستهدف إيران، حيث أخذت مظاهر استهداف إيران بالإرهاب تتزايد خلال الفترة الأخيرة، فالترابط بين الأهداف الأمريكية على كامل خريطة المنطقة أكثر من واضح.

إن رصد ما حدث ويحدث يرجح أن القوى الفاعلة في البصرة، وفي مقدمتها الحشد الشعبي، نجحت في تطويق المحاولة الأمريكية في البصرة نفسها، انطلاقاً من الوعي الذي تشكّل من خلال متابعة تجربة “الربيع العربي”، وما مورس خلاله من أشكال العبث الذي يقف وراءه الأمريكيون وأتباعهم، لكن استمرار هذا النجاح مرتبط أيضاً بمعالجة الوضع السياسي في العراق دستورياً على نحو يحبط المحاولة الأمريكية للهيمنة على القرار السياسي العراقي من خلال محاولة فرض حكومة على قاعدة الولاء المطلق للإرادة الأمريكية، وهنا نود أن ننبّه إلى أن المناورة الأمريكية قد تستخدم أساليب شيطانية لا تخطر بالبال من أجل استبعاد قيادات وتمكين أخرى، كما أن استمرار النجاح يتطلب ما هو أكثر من مجرد سدّ الذرائع لمعالجة أسباب التململ الذي استغله الأمريكي في البصرة، والحيلولة دون افتعاله لظواهر مماثلة في أماكن أخرى، بل إن الوضع في العراق يشي بأن استئناف المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي الذي يحاول تثبيت أقدامه في العراق بات أمراً لا مندوحة عنه، فأمريكا التي ادّعت الانسحاب من العراق قبل إطلاق وحش “داعش” الذي صنعته، عمدت خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز القوات التي كانت قد أبقتها في العراق من خلال نشاط تحالف الستين، وقد باتت من الأمور الغامضة الآن معرفة حجم القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وأماكن انتشارها.

إن الوضع المتذبذب في العراق بين واقع استمرار وجود مظاهر الاحتلال وإرادة التحرر وتأكيد الاستقلال، هو الآن أمام امتحان جدي لا مناص من مواجهة استحقاقاته، وهذه المواجهة لن تكون سهلة في ضوء الحقيقة القائلة بأن التحالف الأمريكي يتواجد في مناطق متعددة، ويناور من خلال هذا التواجد أولاً، ومن خلال استغلال الانقسام والتنافس بين الأطراف العراقية ثانياً، ولكن يبقى أن تحرير الإرادة في مركز اتخاذ القرار الوطني هو الهدف الأهم والمحوري في هذه المرحلة، وبوسعنا أن نلمس هذه الحاجة من أمثلة لاحظناها مؤخراً هي في غاية الغرابة، ونكتفي هنا بمثالين: أولهما تسليم البعض بضرورة التزام العراق حرفياً بالعقوبات التي قررت واشنطن فرضها على إيران خوفاً من التهديد الأمريكي بفرض عقوبات على من لا يلتزم من الدول، والذريعة أن العراق سيجوع إذا لم يفعل ذلك، وأنه ليس من حق الحكومة أن تجوع الناس من خلال رفض تنفيذ القرار الأمريكي، وهنا نتساءل: أين هو القرار العراقي الوطني الحر والمستقل إذاً؟ وما الذي يضمن للناس إذا قبلوا بهذه الذريعة ألا تعقبها حالات أخرى يخضع فيها العراق تلقائياً لقرارات البيت الأبيض تحت طائلة التهديد بالتجويع؟ فمثلاً هل إذا طلب ترامب من دول العالم الاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل” أسوة بقراره هو وإلا عاقبها سيكون ذريعة لمثل هذا الاعتراف حتى لا تتعرّض الشعوب للعقاب؟.. إن المشكلة على هذا النحو بالنسبة لقطر مثل العراق ليست فقط مشكلة العلاقة مع الجار، أو الموقف من حقوق الشقيق، ولكنها مسألة حرية شعب العراق وسيادة العراق على أرضه وامتلاكه لقراره.

هناك أمثلة كثيرة تكفي لتثبيت القناعة بأن العراق الشقيق بات بحاجة ماسة إلى خطوة وطنية ثورية تحررية غايتها التخلص من الهيمنة الأمريكية على قراره، ومن العبث الأمريكي بمقدراته، وأن معركة في هذا الاتجاه لابدّ أن تأخذ طريقها نحو إنجاز هدفها.

وإذا كان الأمريكي قد حاول العبث من خلال استغلاله للظاهرة الجماهيرية في البصرة، فلعل غايته من وراء هذه المحاولة تتمثّل في هز الأرض تحت أقدام المسؤولين العراقيين الذين يعنيهم الحدث بشكل مباشر، لا بهدف دفعهم نحو الإصلاح وتلبية حاجات المواطنين في البصرة، وإنما لحملهم على الخضوع للأهواء الأمريكية في كيفية تشكيل الحكومة الجديدة، بإشعارهم أن ما حدث في البصرة يمكن أن يحدث في أماكن أخرى، أو أن يستمر، أو أن يتكرر، وبمعنى آخر، أراد أن يتخذ مما حدث في البصرة “هراوة” يلوح بها في وجوه السياسيين العراقيين لحملهم على الانصياع للرغبات والأهواء الأمريكية، وهو أمر نعتقد واثقين أن أغلبية الساسة العراقيين والنواب لن يقبلوا به، ولن يخضعوا لمنطقه.

إن ما يجب أن نكون واثقين منه هو أن البضاعة الأمريكية التي استثمرت في “الربيع العربي”، وفشلت في تنفيذ خطة “الشرق الأوسط الجديد”، أو بالأحرى هدف تمكين “إسرائيل” من التوسع بين الفرات والنيل، فقدت الكثير من قدرتها على التأثير بعد أن تشكّلت المناعة ضدّها، أو بالأحرى ضدّ أدواتها لدى الكثيرين في الوطن العربي، وبعد أن كشف الصمود السوري عن حقيقة هذه البضاعة.