تحقيقاتصحيفة البعث

التقديرات الأولية تشير إلى 44 ألف طن فقط.. ومعاصر جبلة تغلق أبوابها! مزارعو اللاذقية: ذبابة ثمار الزيتون أكلت محصولنا.. والزراعة ترد بأن: “الموسم معاوم”!

خيّب موسم الزيتون في محافظة اللاذقية آمال المزارعين المتضررين جميعاً من التدني الحاد في الإنتاج الذي لن يزيد، بحسب التقديرات الأولية لمديرية الزراعة عن 44 ألف طن، اليتيم الذي لن يسمن ولن يغني من جوع المزارعين إلى مونة الشتاء من الزيتون، ومن الزيت الذي بدأت أسعاره تحلّق عالياً ليصبح عصياً على ذوي الدخل المحدود الذين ضربوا الكف بالكف معلنين قلة حيلتهم، فلمن يشتكون طالما أن الأسعار محكومة بالعرض والطلب، ويحددها من “دكّن” صفائح الزيت لديه منذ الموسم الماضي بانتظار هذا الموسم المعاوم!.

ليس الموسم المعاوم وحده هو المسؤول عن التدني الحاد في إنتاج الزيتون، وإنما هناك أسباب عدة اجتمعت ليرشح عنها موسم خجول خيّب آمال مزارعي اللاذقية، أسباب تنوعت بين عوامل جوية سيئة، ومبيدات حشرية، ومصائد جاءت متأخرة، في الوقت الذي كانت فيه ذبابة ثمار الزيتون قد أتت على موسم الزيتون الذي يعد من المواسم السنوية المهمة التي يعتمد عليها سكان القرى والبلدات، فهو يلبي احتياجاتهم من زيت الزيتون، وثماره التي تدخل في أصناف المونة الشتوية التي تعتمد عليها العائلات!.

ذبابة الزيتون

مزارعو اللاذقية حمّلوا مديرية الزراعة المسؤولية عن تدني المحصول باعتبار أن التأخر بمدهم بالمصائد أدى إلى إصابة ثمار الزيتون بالذبابة التي أصابت مساحات واسعة، وأثرت سلباً على كميات الإنتاج، علاوة على الآفات الزراعية المختلفة التي من بينها الحشرات القشرية التي تقلل من نسبة الثمر في ظل تواضع حملات مكافحته من خلال حملات الرش، وقلة المبيدات الحشرية التي يجب أن توفرها مديرية الزراعة.

المزارع جابر أحمد من قرية كفردبيل بريف جبلة أكد أن إنتاج بستانه للموسم الحالي تراجع بنسبة كبيرة، وأنه لم يتمكن من قطاف إلا نحو 50 كيلوغراماً من الزيتون، ما اعتبره قطافاً متواضعاً مقارنة بالعام الماضي الذي فاق تلك الكمية بمعدل ثمانية أضعاف.

وأوضح أحمد أنه بالرغم من أن الموسم الحالي يعتبر موسماً معاوماً، إلا أن الحشرات التي أصابت الأشجار كان لها دور كبير في انخفاض الإنتاج لهذا العام، مشيراً إلى أن الوحدات الإرشادية تأخرت بتوزيع المبيدات الحشرية اللازمة لمكافحة الذبابة بعد أن استفحلت بثمار الزيتون!.

بدوره قال المزارع آصف سليمان من قرية رأس العين: لا يوجد زيتون لهذا الموسم، لأن هناك ذبابة أصابت أشجار الزيتون، وأدت إلى ضمور الثمرات وتعفنها قبل نضوجها، مضيفاً: في السنوات الماضية كان موسم الزيتون يستمر لعدة أسابيع، أما في هذا الموسم فستكون عدة أيام قليلة كافية لانتهاء جني المحصول نظراً لضعف حمل الأشجار، واقع الحال الذي يجعل من الطبيعي، برأي سليمان، أن يشهد الزيتون والزيت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار!.

البحث عن زيوت بديلة

رأفت حمدان، أحد سكان مدينة اللاذقية بيّن أن أسعار الزيت ارتفعت ارتفاعاً كبيراً مقارنة بأسعار العام الماضي، وذلك بنحو 10 آلاف ليرة للصفيحة الواحدة، عازياً السبب في ذلك إلى تراجع إنتاج الموسم الحالي، لافتاً إلى أنه اشترى صفيحة زيت الزيتون بسعر 35 ألف ليرة، فيما كان يباع العام الماضي بـ 25 ألف ليرة.

بدوره أكد شادي حسن أن انخفاض إنتاج الزيتون كان له أثر سيىء على المواطنين الذين بدؤوا باللجوء إلى الزيوت البديلة كزيت عباد الشمس، والصويا لعدم قدرتهم على شراء الزيت الذي بدأت أسعاره ترتفع بسبب شح الزيتون، مطالبين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتدخل لضبط أسعار الزيت، وعدم تركها محكومة بيد التجار!.

معاصر جبلة مغلقة

وعلى وقع شح الإنتاج، أغلقت معاصر الزيتون في جبلة أبوابها لأنه لا يوجد محصول سيحمله المزارعون للمعاصر، والمزارع الذي نجح في جني بعض الكيلوغرامات من الزيتون سيستفيد منها كمونة للشتاء.

أبو بشار صاحب معصرة في البودي بريف جبلة قال لـ “البعث”:  المعصرة مغلقة هذا الموسم لعدم توفر الزيتون، فالثمار تعفنت وسقطت منذ شهر تموز بسبب إصابتها بذبابة الزيتون!.

بدوره أكد علي ناصر، أحد أصحاب المعاصر، أن تدني إنتاج المحافظة من الزيتون لم يشكّل نكبة للمزارعين فقط، بل لأهالي المحافظة بسبب ارتفاع أسعار الزيت، ولأصحاب المعاصر أيضاً الذين كانوا يأخذون من المزارع زيتاً وزيتوناً مقابل كل صفيحة زيت يقومون بعصرها.

الحق على العوامل الجوية

الباحث في الشؤون الزراعية الدكتور نزار عبد الله أكد أنه منذ عشرات السنين لم يتدن موسم الزيتون إلى الحد الذي تدنى إليه خلال الموسم الحالي، فعدا عن مصيبة أنه موسم معاوم، والإنتاج فيه يكون بطبيعة الحال قليلاً، إلا أن العوامل الجوية، وذبابة الزيتون ساهمتا بشكل مباشر في شح الإنتاج!.

وأضاف: إنتاج الزيتون هذا العام لم يكن متردياً فقط في سورية، بل في كامل منطقة البحر المتوسط، وعزا ذلك إلى ظروف بيئية تتمثّل بعدم حصول شجرة الزيتون على درجة الحرارة المناسبة شتاء، وارتفاع الحرارة صيفاً، مع قلة كميات المياه التي سقيت بها الأشجار.

وأوضح عبد الله أنه في الشتاء الماضي لم تتعرّض المنطقة للبرد الكافي الكفيل بقتل الحشرات الضارة، وعليه فإن جميع الحشرات لم تمت، بل على العكس تكاثرت وكأنها في فصل الصيف، وتابع: لأن الجو في الصيف لم يكن مواتياً لطرح مواسم جيدة في المحافظة، فالغيوم، والضباب، وتشكّل الندى أدت إلى إصابة معظم المواسم بالضرر.

موسم معاوم

المهندس عمران إبراهيم، رئيس دائرة الزيتون في مديرية زراعة اللاذقية، أكد أن التراجع في موسم الزيتون الحالي يعتبر أمراً طبيعياً لأنه موسم معاوم يكون فيه الحمل قليلاً، وهذه ظاهرة طبيعية فيزيولوجية وراثية يختص بها الزيتون، موضحاً أن كمية الزيتون المقدّر إنتاجها الأولي للموسم الحالي تبلغ ٤٤ ألف طن، وأن العدد الكلي للأشجار الموزعة على مناطق المحافظة تبلغ  ١٠,٣٠ مليون شجرة.

وبيّن إبراهيم أن تدني الإنتاج يعود إلى جملة عوامل مناخية أدت إلى تساقط الثمار في شهري تموز وآب الماضيين، موضحاً أن ارتفاع درجات الحرارة من جهة، وارتفاع وانخفاض الرطوبة بشكل متكرر من جهة ثانية أدى إلى زيادة كمية الثمار المتساقطة، وبالتالي إلى انخفاض الإنتاج نوعاً ما، بالإضافة إلى إصابة الثمار بذبابة الزيتون التي تؤدي إلى تدني نوعية الزيت الناتج، وفي حال شدة الإصابة فإنها تؤدي إلى تساقط حبات الزيتون في مرحلة النضج، وبدء تكون الثمرة بنسبة ٥٠% فما فوق.‏

كما لفت إبراهيم إلى أن ذبابة ثمار الزيتون ليست جديدة في منطقة الساحل، وإنما موجودة منذ سنين، وأضاف: الوحدات الإرشادية في قرى المحافظة قامت بتوزيع المصائد للمزارعين مجاناً، وعلى المزارعين قبل أن يحمّلوا المسؤولية للوحدات الإرشادية أن يولوا الاهتمام بأشجار الزيتون، وأن يتوقفوا عن التعامل معها كشجرة حراجية، فلا يقومون بتقليمها، ولا يعمدون إلى حراثة الأرض وتسميدها.

واستدرك إبراهيم: كما أننا لا نستطيع أن نلقي باللوم كاملاً على المزارعين، وذلك لأن تكاليف الإنتاج مرتفعة، الأمر الذي يرهق المزارعين، خاصة أن نسبة 70% منهم لا يملكون مساحات كبيرة مزروعة بأشجار الزيتون، إذ أن أغلبية المزارعين يملكون دونماً أو دونمين من الأرض، ويعتمدون على محاصيلهم كمصدر رزق أساسي لهم.

وبيّن إبراهيم أن دائرة الزيتون في مديرية زراعة اللاذقية قدّرت الموسم الماضي من الزيتون بحوالي 195 ألف طن كتقدير أولي، فيما بلغ التقدير النهائي 226 ألف طن، في حين تشير التوقعات للموسم الحالي ألا يزيد التقدير النهائي عن التقدير الأولي بـ 44 ألف طن.

باسل يوسف