تحقيقاتصحيفة البعث

المدينة التي أكلت القمامة خصوصيتها وملامحها الجاذبة ..؟!! قلة العمال والآليات وغياب الوعي الشعبي مختصر مشكلات النظافة في طرطوس والحلول غائبة!

حين تتراكم بذاكرتك كل مرة تسير فيها بأحياء طرطوس، وشوارعها، وأزقتها الضيقة، صور متعددة للأوساخ التي تملأ الشوارع، وتشاهد تجمعات القمامة الموزعة بعشوائية أمام المنازل دون مراعاة لأبسط قواعد الصحة العامة، وحين يتكرر أمامك مشهد كيس قمامة يتطاير من علو طابقين، ويسقط فوق أكوام أخرى من أكياس متراكمة، محدثاً جلبة مثيرة للانتباه والاشمئزاز معاً في أحد أحياء المدينة، تدرك أن طرطوس لم تعد مثالاً يحتذى به للنظافة، وأن كل العبارات التي زينت بها شوارعها: “النظافة عنوان الحضارة”، و”لنحافظ على نظافة مدينتنا”، وغيرها، باتت غير قابلة للتصديق أمام واقع لا يدحض نفسه، واقع نظافة رديء يندر معه أيضاً أن تشاهد عمالاً يقومون بكنس الشوارع، أو تنظيف الحدائق بصورة يومية، حتى كورنيش طرطوس، أو الواجهة البحرية للمدينة تشكو المرارة والألم أيضاً من حالة الأوساخ التي ملأت شقوق صخور المكسر البحري حتى فاضت منه، وتناثرت على الشاطئ الرملي الصغير المتشكّل أمامها، واقع تضيع فيه المسؤولية عن نظافة المدينة السياحية “المتسخة”، كما يصفها البعض، وتصبح مثار جدل دائم، واتهامات متبادلة بين ساكنيها، ومجلس بلديتها، كلا الطرفين يضع اللوم، ويقيم الحجة على الآخر، مع أن المفترض أن يتحمّلا المسؤولية معاً لتقديم أجمل الصور عن عروس الساحل، فأين موضع التقصير؟!.

هاجس دائم

مع أن واقع المشاهدة لا يحتاج حديثاً يدور، أو شكوى تقدم، لكن هموم نظافة المدينة، وواقع خدماتها أصبحا هاجساً دائماً عند أي سؤال أو استفسار تطرحه أمام معظم سكان طرطوس، أول اقتراح تسمعه لبدء تحقيق خدمي يكون عن النظافة، وأول حديث يخطر في بال معظم محدثيك يكون عن النظافة، والشكوى الدائمة والمستمرة عن النظافة، يشتكي ربيع، وهو أحد ساكني ضاحية الأسد المحاذية للكراج الجديد، تراكماً مستمراً للقمامة في بعض أحياء الضاحية يمتد لأيام قبل ترحيلها، في حين يتذمر محمود، صاحب أحد المحلات الموجودة في حي الرمل، من الطريقة التي يتعامل بها بعض عمال النظافة معهم، حيث اعتادوا، كما يقول، الحصول على إكراميات من أصحاب المحلات لإزالة القمامة، والحفاظ على النظافة أمام محلاتهم، وإلا فهم يتعمدون ترك بعضها، ويضيف: نحن نقوم أحياناً بتقديم الإكرامية لعامل النظافة تقديراً لعمله وجهده، لكن هذا الأمر ليس فرض عين علينا، تكون نتيجة تقصيرنا فيه عدم قيامهم بمهامهم، فنحن ندفع ما علينا من مستحقات ورسوم للنظافة بشكل دوري، وفي حي الغمقة يتحدث بعض السكان كيف أصبحت تجمعات القمامة في حاراتهم مرتعاً للجرذان والقوارض، كذلك يرسل إلينا بعض السكان صوراً عن أماكن وشوارع أخرى من المدينة يفترض أنها أحياء راقية، وفيها تجمعات قمامة مثيرة للاشمئزاز مثل شارع الوكالات جنوب فندق الصالح، حيث تتجمع أكياس القمامة دون أن ترحل في مواعيدها، وغيرها الكثير والكثير من الصور والأمثلة!.

جانب آخر للحقيقة

لكن إذا كانت أكياس القمامة موجودة دون ترحيل وفي وضح النهار، فالأمر الآخر الذي يمكن النقاش به، مع احتمالية تقصير مجلس المدينة، هو عدم إلقاء القمامة في مواعيدها، وعدم الانضباط في تطبيق القانون للحفاظ على حالة النظافة في شوارع طرطوس من قبل السكان، فالقانون الخاص بالمدينة يحدد أوقاتاً مخصصة لإلقاء القمامة لا يبدو أن الالتزام بها مطبق من قبل الجميع، وهي الحجة التي استند إليها مجلس المدينة في دفع الاتهامات عن نفسه، مؤكداً أن وتيرة العمل للآليات الموجودة تكون بالحالة القصوى في معظم الأوقات، لكن المشكلة في تعامل بعض المواطنين، وعدم حفاظهم على نظافة مدينتهم، وعدم وضع القمامة في أكياس مخصصة، إضافة إلى إشكاليات أخرى تتمثّل في زيادة عدد السكان، وتضخم المدينة بشكل كبير، وزيادة مساحات البناء فيها، والمشاريع السكنية، لتصبح تحديات وواقع النظافة أكبر من الإمكانيات المتوفرة، سواء من حيث عدد الآليات المعتمدة، أو عدد العمال الموجودين!.

آليات عمل

ويفصل مدير النظافة في مجلس مدينة طرطوس، المهندس سعد الضابط، آلية العمل المتبعة لإزالة تجمعات القمامة بالقول: تقوم المديرية بتخديم مساحة إجمالية مقدارها /3710/  هكتارات، وهي المساحة الإجمالية لمدينة طرطوس، حيث يصل مقدار القمامة التي ترحل بشكل وسطي من المدينة 250 طناً، وتبلغ الذروة في أشهر الصيف، حيث تصل لـ 350 طناً يومياً، وتم تقسيم المدينة إلى خمسة أقسام: القسم الغربي، والقسم الأوسط، والقسم الشرقي، والقسم الجنوبي ويشمل المدخل الجنوبي، والمدخل الشرقي صافيتا، ومناطق السكن العشوائي: (الرادار- أبو عفصة- رأس الشغري- وادي الشاطر)، ومعسكر الطلائع، والمنطقة الصناعية، ومؤسسات الدوائر الحكومية، وأخيراً القسم الشمالي ويشمل: (القاعدة البحرية- نادي الضباط- المسلخ البلدي)، والمؤسسات والدوائر الحكومية، ويشرف على كل قسم مراقب عام ذو خبرة، يعاونه عدد من مراقبي العمال، مع مسؤولين عن النظافة من كنس، وجمع، وترحيل قمامة، ويبيّن الضابط: يبلغ عدد عمال النظافة في المدينة 286 عاملاً، يعملون واردية نهارية، وطوارئ ظهراً، وترحيل القمامة ليلاً وبعد منتصف الليل، والعمل على مدار 24 ساعة، أو يعملون حسب جداول خاصة، حيث يعمل كل منهم حسب المهمة الموكلة إليه: (كنس- لم– ترحيل- صيانة- آليات- إصلاح عربات وحوايا)، ترحيل أنقاض، وتعزيل، والرد على الشكاوى، وتطبيق القانون 49 الخاص بالنظافة، وعن عدد الآليات المتوفرة أوضح: يوجد في المديرية مجموعة من الآليات التي أصبحت قديمة نسبياً، وهي: ضاغطة ترحيل حوايا 3، ضاغطة صغيرة لم وترحيل قمامة عدد 5، (وهذه أعطالها متكررة)، جرارات عدد 6، “بوبكات” عدد 3، قلاب عدد 1 ، وتعمل هذه الآليات على ثلاث وارديات بشكل دائم، وأحياناً بعض الآليات الجديدة عدد 2 تعمل أربع وارديات، وتعاني المديرية من الأعطال المتكررة بشكل يومي بسبب قدم الآليات، وعدم وجود قطع تبديل متوفرة، كما تعاني نقصاً في عدد العمال إذ إن عدد العمال في عام 2010 تجاوز الـ 400 عامل، وحاجة المدينة فعلياً 35 سيارة تعمل واردية واحدة، وسائق على كل سيارة للحفاظ عليها، 20 سيارة ليلاً، و15 سيارة نهاراً.

خطط تحسين

يتحدث الضابط عن خطط مستمرة يقوم مجلس المدينة باعتمادها، وطرحها بشكل مستمر على المعنيين أدت إلى تحسن ملحوظ لمسه السكان في آليات ترحيل القمامة بالمدينة، فقبل عدة أشهر كان الوضع صعباً، وتم التنسيق مع إدارة النفايات الصلبة في المحافظة، ومع وزارة الإدارة المحلية، حيث تم رفد المديرية بتركس صغير: (بوبكات- خمسة جرارات، قلاب خدمة)، ولكن الحاجة إلى السيارات الضاغطة التي تلزم العمل حفزتنا للاستمرار بالتنسيق مع الجهات المعنية والرسمية لتأمين الآليات، وخاصة الضاغطات، والكانسات الآلية، والقلابات مختلفة الحمولات، وصهاريج الشطف للحوايا والشوارع، كما كان في أعوام سابقة، وأضاف: حالياً تم وضع جداول لتنظيف الأرصفة والمنصفات ومداخل المدينة من التربة والأعشاب والنفايات ضمن خطة شهرية تتوزع على كافة أحياء المدينة، وتم وضع آلية جيدة لترحيل القمامة، وتنظيف المدينة بعد أن تم تقسيمها لأقسام مختلفة لمتابعة مستلزمات كل قسم على حدة من حاجته إلى عمال وآليات، وفي حال عدم تأمين آليات هناك خطة لإشراك القطاع الخاص في تنظيف المدينة، وتم تعيين مراقبين وتكليفهم كضابطة عدلية بعد قسم اليمين في المحكمة لمتابعة تطبيق القانون 49 الخاص بالنظافة، وجمالية المدن، وتنظيم المخالفات بحق المرتكبين، حيث يتم تنظيم مخالفات بشكل وسطي تبلغ شهرياً بين 80 وحتى 100 ضبط فقط، وهو رقم قليل نسبياً لعدم إمكانية المراقبة في جميع الشوارع والحارات وبمختلف الأوقات، وأضاف: يتم أيضاً التنسيق مع مديرية الخدمات والصيانة، ومؤازرة مديرية النظافة بالآليات والعمال، خاصة في أحوال الطقس السيئة، ونساهم بالحملات التي تقوم بها إدارة المدينة عند حصول أية فعالية في المدينة متعلقة بالنظافة.

إشكاليات أخرى

الضابط تحدث أيضاً عن أفكار أخرى قام بها مجلس المدينة كتأمين إذاعة جوالة في المدينة تحث المواطنين على التقيد بمواعيد إلقاء القمامة المحددة من قبل المدينة، ونشر عبارات التوعية للحفاظ على المدينة، واعتبارها منزلهم الثاني والكبير، وعن التنسيق مع مديرية البيئة للقيام بحملات توعية، ومع المنظمات الشعبية، والطلائع، والشبيبة، والشعب الحزبية، ومع المنظمات الأهلية مثل: السندباد، جمعية سنا، جمعية فضا، ومن متطوعي المجتمع الأهلي والمدني، حيث يقومون بالتنسيق مع المديرية، والقيام بحملات نظافة ميدانية، واجتماعات للتعريف بالقانون 49، والتقيد بتنفيذه، ونشر الوعي البيئي، لكنه ختم بالحديث عن صعوبات وإشكاليات أخرى أدت إلى الصورة المتكونة اليوم عن واقع النظافة في طرطوس مثل عدم تقيد المواطنين بالقانون 49، وخاصة مواعيد إلقاء قمامة، وعدم تنفيذ عقود إكساء زمني منذ عشرة أعوام، ما يؤثر سلباً على أعمال النظافة، كذلك تحدث عن ضعف الراتب الشهري للعمال بالمقارنة مع أجور النقل الباهظة، وقلة عدد العاملين، فالمدينة تحتاج ما لا يقل عن 500 عامل و35 سيارة، فمعظم الآليات قديمة، ونفقات الإصلاح باهظة، والأعطال تتكرر باستمرار، وأشار الضابط إلى عدم تمكن المدينة من تأمين الاعتمادات اللازمة لتأمين مستلزمات العمل، وعدم توفر وسائط نقل للعمال إلى مواقع العمل، وخاصة بالأعياد، فمعظم العمال بنسبة 85٪ من سكان الريف، وللأسف لا يتم التعويض لهم!.

أفكار وحلول

في المقابل يقدم بعض السكان حلولاً وأفكاراً للمساهمة بتحسين الواقع الخدمي والنظافة مثل توزيع مكبات قمامة ثابتة توزع في منصفات الشوارع، ويتم تجميع القمامة بداخلها، أو إعادة نشر مستوعبات بلاستيكية مع فرض غرامات مرتفعة، ومخالفات كبيرة بحق المخربين والمخالفين، وعدم إلقاء القمامة في زوايا الشوارع كيفما اتفق، فالآلية التي اعتمدت سابقاً لتقديم صورة سياحية عن المدينة لم تعد ذات جدوى، وختاماً تبدو المدينة بحاجة إلى بلورة خطة عمل جديدة تكون أكثر جدوى وفاعلية لتغيير صورة سيئة ونمطية بدأت تتشكّل في أذهان الناس من سكان وسائحين عن المدينة، صورة يتحمّل مسؤوليتها الجميع، وتسيء لسمعة عروس الساحل السورية!.

محمد محمود