دراساتصحيفة البعث

شكل النظام الدولي في المستقبل

عن موقع غلوبال تايمز 17/7/2018

ترجمة: عناية ناصر

حاولت الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة بناء نظام عالمي أحادي القطب، من خلال توسيع وتعزيز العلاقات والتحالفات التي أقامتها بعد الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، بدأ النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يتغيّر مع وتيرة التحول المتسارعة في العقد الثاني. أولاً، التغيير في القوة هو أحد الأسباب، إذ بُنيت جميع الأنظمة في التاريخ على أساس القوة والمعايير، لأن التغيير العميق في ميزان القوى في هذا القرن يقود التحول في النظام القائم. ثانياً، أدت عيوب النظام الحالي، بما في ذلك الكثير من الهيمنة الأمريكية، وتناقص السلع، وعدم شموليته، إلى تسريع الحاجة إلى التغيير. ثالثاً، لقد أخذت قدرة الولايات المتحدة ورغبتها في الحفاظ على النظام الحالي بالتراجع بعد تولي دونالد ترامب السلطة، إذ أظهرت الولايات المتحدة ميلاً متزايداً إلى تقويض النظام القائم.

في هذا السياق، قال جوزيف ناي من جامعة هارفارد إنه قلق من أن النظام الدولي الليبرالي مهدّد بشكل أكبر بصعود ترامب أكثر من نهوض الصين، لأن قوة الصين هي إحدى الدوافع الرئيسية للتحوّل مع قوتها المتنامية ورغبتها في إحداث التغيير، لكن الصين لن تحلّ محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة الجديدة، ولا أن تؤسّس نظاماً جديداً للهيمنة.

قوة الصين الوطنية هي أقل بكثير من قوة الولايات المتحدة. لكن في القوة الاقتصادية من المرجح أن تتخطّى الصين الولايات المتحدة، لكن من الصعب التغلّب على واشنطن من حيث القوة العسكرية والتكنولوجية.  إضافة إلى ذلك، فإن القوة الناعمة التي اكتسبتها الولايات المتحدة من خلال المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما زال من الصعب على الصين اللحاق بها.

وفي هذا الشأن تحتاج بكين إلى تعزيز إصلاح النظام الحالي، بما في ذلك تعزيز الآليات متعدّدة الأطراف القائمة، إضافة إلى توفير بعض الخيارات الأخرى، مثل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية، ومبادرة الحزام والطريق. فهي لن تقوّض المؤسسات متعددة الأطراف، ولن تبني نظام تحالفات. لكن ستخضع كل هذه الجهود لتشجيع التغيير وتوسيع تحديها حتماً للقيود الهيكلية الأمريكية.

من المحتمل أن يتّسم نموذج العلاقات الصينية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين بتقاسم القوة والقيادة. وهذا يعني أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تقبل بصعود الصين وتوسع دورها الدولي، في حين يجب على الصين أن تتعلم التلاءم مع الولايات المتحدة في كل من المنافسة والتعاون. وهذا يتفق مع هدف بكين في إقامة نوع جديد من علاقات القوة الرئيسية مع واشنطن. إذن، ما هو نوع النظام الذي سيكون عليه العالم في المستقبل؟ سيظهر النظام الدولي كمجتمع إقليمي أو شبه إقليمي يتقاسم المصالح والأفكار، مثل الاتحاد الأوروبي ورابطة الآسيان، وستتسم العلاقات بين الدول بالشراكات بدلاً من اتباع نموذج المهيمن والتابع.
يمكن وصف نظام ما قبل الحرب العالمية الثانية بالنظام الإمبراطوري الحر، بينما يمكن وصف نظام ما بعد الحرب بأنه “نظام الهيمنة الحر”. “حر” بسبب التجارة المفتوحة والتعددية؛ إنه نظام “هيمنة” لأن، حارسة هذا النظام، الولايات المتحدة تهيمن عليه. لقد أحدث أكبر اقتصاد في العالم تسلسلاً هرمياً يعتمد على المزايا الاقتصادية والعسكرية التي لا نظير لها، ويعكس النظام رؤيته الخاصة للنظام والقيم والمصالح.
سنشهد في القرن الحادي والعشرين، ظهور نظام شراكة حرة، حيث يتبنى فيه العالم المزيد من الانفتاح والتعددية والحرية، وتؤسس الدول شراكات تقوم على المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة.

تاريخياً، توفر البلدان المهيمنة عموماً معظم السلع العامة، ولكن في المستقبل، ستقدمها جميع البلدان بشكل مشترك، على الرغم من أن مساهمات هذه البلدان ستتباين.

وعلى العموم، ستكون السمة الكبرى للنظام الدولي في القرن الحادي والعشرين المزيد من الحرية وأقل هيمنة. ولأن الدور البارز للعولمة والعوامل الاقتصادية في التغيرات الحالية هو المنطق السائد، فستهيمن على النظام الجديد العوامل الاقتصادية بدلاً من الاعتبارات الأمنية.

مع صعود البلدان الناشئة، سيكون للدول النامية دور أكبر في الشؤون الدولية. وستلعب المنظمات الإقليمية دوراً أكبر في الحوكمة الإقليمية. وسيستوعب النظام الجديد تنوعاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً أكثر من التنوع الحالي الذي تهيمن عليه القيم والثقافة الغربية. في عصر التغيرات الكبرى، تكون الاقتصاديات الناشئة الميالة للمغامرة والدول المعرضة للهيمنة عرضة للقلق، وهذا بدوره يؤثر على إستراتيجيتها وصنع سياساتها. يجب أن يكون لدينا محاكمة دقيقة إلى أين يتوجه العالم. إن الفهم بأن النموذج العالمي للقرن الحادي والعشرين سيتميّز بالتعددية والشراكة سيساعد في التغلب على الاندفاع والقلق.