الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

من صفحة الصديقة لينا إبراهيم ليلة عيد..

إنها الليلة الأخيرة في العام، الزحام وعجقة الناس فوق الأرصفة والمحال التجارية لا توصف، عيون معلقة على الواجهات اللامعة لكل مستلزمات العيد، إلا أن أغلبها للفرجة وليس لشيء آخر، الفقراء يتفرجون على فرحة العيد في عيون الآخرين، وهذا أكثر ما يستطيعون أن يفعلوه حاليا وعيونهم تنظر بحسرة إلى الأصفار الكثيرة المرافقة لرقم معها يدل على السعر.

العاصمة تضج بها الحياة، لكنها ليست الحياة نفسها، ففيها أنواع على عدد الأشخاص الذين يسيرون بهداية وبدونها إلى ما يريدون وما لا يريدون، ذاك رجل وحيد ينفخ من صدره الدخان على شكل دوائر من خيبة، وتلك امرأة سرّها أن الفستان الذي أرادته، لن يغلى عليها؛ أطفال منتشرون في هذا الصقيع الدمشقي ليلة رأس السنة، يبيعون العلكة والمحارم والكثير الكثير من طفولتهم، التي لعلها نسيت أن تمرّ بهم، ليصبحوا هرمين دفعة واحدة!

البرد لم يزل على حاله، في يديه سياط من نار، والنار التي في تخبو رويدا رويدا في “الصوبيا”، لن تشتغل قريبا، “المازوت” أيضا في إجازة العيد، كما الغاز، وحدها تلك المدفأة الكهربائية التي لا تدفئ إلا نفسها في حال وقع الخطب وتم تشغيلها، من يصدر عنها لون برتقالي يدفئ الأكف، “شبهة دفء” يمكن أن يكون الوصف الأكثر دقة لحالها.

العام تخلع اليوم له الروزنامات كل حكمها، فتبقى الصفحة الأخيرة، مكشوفة بلا رحمة على الحائط، ولا أحد يريد أن يقرأ ما كُتب على خلفيتها، فالوداع واللقاء واحد، والعيد وعكسه واحد، واليوم ليس إلا البارحة الذي هو في الأساس غدا.

نتبادل التبريكات والأمنيات بعام قادم أفضل، بينما الجيوب تكاد تعوي، والقروش القليلة التي اسمها “راتب” صارت سرابا ينتحل صفة العدم.

شبانٌ بعمر الرياحين، يقفون ببزاتهم المبرقعة يرفعون النخب الوحيد الذي يعرفوه، نخب الفداء لوطن طلبهم في حضرة المصير، وهاهم ومنذ 8 أعوام، يغيرون المصائر التي كان قد حسمها من حسمها، ومن بين أنخابهم العالية المزاج، يصحو فجر عام جديد، وأيضا أمل جديد، بأن كان يا ما كان.

رجال يبتسمون في صور معلقة على الجدران، إنها الابتسامة ذاتها، ابتسامة الغياب، يمكن التعرف عليها، من ملامحهم الهانئة، وعيونهم الصامتة.

ما من منجل لحصد الأحلام والأمنيات، تلك التي بقيت مغروسة في الماء المتجمد طوال الليل، فماتت دون حتى أن يشعر أصحابها بغيابها.

تمام بركات