تحقيقاتصحيفة البعث

“بزنس” متواضع صندوق المعونة الاجتماعية.. إقراض لدعم المشاريع الإنتاجية وعلاقة مضطربة مع المصرف الزراعي

بطيئة هي الخطوات التي يسير بها صندوق المعونة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، و118 مستفيداً في مختلف المحافظات رقم يتحدث عن نفسه ويؤكد خجل التجربة، فمن غير المعقول ألا تتمكّن وزارة الشؤون الاجتماعية من إيصال صورة حقيقية عن غاية الصندوق والمتمثّلة بخلق “بزنس” متواضع في الريف السوري يقي الشرائح الأكثر هشاشة من العوز والحاجة، في المقابل يواجه المستفيدون صعوبة في التعامل مع فروع المصرف الزراعي التعاوني مردّها عقلية بعض الموظفين وتراخيهم، وافتقارهم للمرونة التي غابت بسبب عزوف المصرف عن منح القروض منذ فترة طويلة –بحسب البعض– ما جعلهم موظفين اعتادوا الكسل والتراخي.

دعم دون تسويق

فكرة تقديم مبلغ من المال للراغبين بإقامة مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر لا بدّ وأنها جيدة في الظروف الحالية التي نمرّ بها جميعاً، إذ أشار مدير صندوق المعونة الاجتماعية لؤي عرنجي إلى هدف الصندوق في توفير إقراض مدعوم للمشروعات المحدّدة ضمن البرنامج تستفيد منه الفئات الأكثر هشاشة، بحيث لا يتجاوز الـ 2 مليون للمشروع الواحد وتكون مدة إقراضه من 3 إلى 4 سنوات تُسترد على أقساط نصف أو ربع سنوية. أما المشاريع التي يدعمها صندوق المعونة الاجتماعية فهي مشاريع متنوعة، قد يكون الطابع الزراعي هو الغالب عليها، لكنه -بحسب عرنجي- ليس بحتاً صرفاً بل يتضمن طابعاً تصنيعياً وغذائياً كالألبان والأجبان على سبيل المثال لا الحصر، وعند إعطاء القرض بقصد شراء ثمن بذار أو قمح تكون المشاريع وقتها زراعية، لكن ما يقدمه الصندوق هو مشاريع تنموية إنتاجية تُقام في الريف السوري وغيره، بهدف تشجيع الصناعات المعتمدة على الزراعة والمهن والحرف كالخياطة وتوابعها ومغسل ومشحم السيارات والقصابة “خدمية” وحدادة وغيرها من المشاريع. ويحاول القائمون على العمل التعاون مع القطاع الأهلي والجمعيات الخيرية التي تتضمن تخصّصاً كجمعية تسويق للقيام بعمليات الربط والتسويق لبيع المنتجات. ورغم أن هذا الدور ليس من مهام الصندوق لصعوبته وحاجته لمتابعة يومية، أكد عرنجي على تدريب الأشخاص تدريباً بسيطاً عن الجدوى والتسويق، محاولين تقديم المساعدة بالأفكار والحلول والتوجيه لجمعيات تسويقية، بحيث يكون بإمكان المتدرب العمل بالمصانعة عند التجار في أسواق المحافظات، بمعنى أن يتمّ توجيههم لطريقة العمل فقط دون التسويق.

“الخاص” مرة أخرى

ومن خلال الحديث بدا أن التفكير بمشاركة القطاع الخاص وحتى الحكومي من خلال إجراء عقود مع المستفيدين أمراً صعباً، إذ قال عرنجي: إن ما نفكر به كمتابعين ومهتمين ليس مطابقاً لأرض الواقع، فتلك الأفكار أمور تجارية ومن غير الممكن إلزام التاجر والجهة الخاصة بإجراء عقود عمل، قد يتواجد نوع من الالتزام الأدبي ليس أكثر، ربما يتمكن من القيام به مدراء الفروع من خلال نشاطاتهم وتواصلهم مع قطاعات خاصة أو حكومية، لكن نجاحه صعب لأن القطاع الخاص غير ملزم مع ما يقوم به صندوق المعونة في وزارة الشؤون الاجتماعية وإن التزم قد لا يدوم. وطمأن عرنجي بأن كثرة إقبال المستفيدين على مشروع معيّن دليل نجاحه وربحيته، فمن غير الممكن أن يتواجد في قرية صغيرة 20 شخصاً يعملون في الخياطة إذا لم يكن هناك سوق لتصريف منتجاتهم وتحقيق رأس مال. لذلك -والحديث للمدير- لا داعي للخوف في حال عدم العمل ضمن عقود، فالنتائج محقّقة دون جهودنا وإن وجدت فهي ستكون تنسيقية. وأوضح مدير الصندوق أن اختيار المشاريع تمّ عبر برامج نموذجية تصلح لكل الأراضي السورية، وهي برامج عامة يمكن لجميع السيدات والرجال القيام بها، ولاسيما أن الخبرة موجودة في الريف السوري باستثناء تربية النحل التي يحتاج بعض الراغبين باقتنائها إلى التدريب البسيط، مبيناً أن حزمة المشاريع للعام الحالي تمّ إرسالها إلى المصرف الزراعي الذي له كامل الحرية بالموافقة أو عدمها، فقد يوافق عليها أو يخفضها أو يزيدها، وبالتالي يحقق الصندوق هدفه ويحتضن كافة الرغبات التي طالب بها الأهالي في بعض الأرياف، وخاصة بعد التأكد من توافقها مع طبيعة المنطقة.

“قطبة” مخفية؟

صعوبات التعامل مع المصرف الزراعي التعاوني التي لم يرغب عرنجي بالحديث عنها، بحجة أن التعامل بين الإدارتين يتمّ على أكمل وجه والغاية التي يرجوها الصندوق، تدفعهم على مايبدو لتجاوز العقبات التي استشفتها “البعث” من فحوى الحديث. واكتفى عرنجي بالقول: بعد مضي سنوات عدة على عدم إقراض فروع المصرف الزراعي التعاوني، فإن ذلك أثر قليلاً على آلية التعامل والافتقاد للمرونة، وعملت إدارة المصرف على تنشيط العمل وإعادة الحياة عبر دفع الموظفين للعمل وتلافي التراخي، إلى جانب ذلك فإن قيمة القروض بدايةً كانت متدنية لا تلبي طموح المقترض، وبعد اللقاءات والحوارات بين الطرفين تمّ الوصول لمبالغ مقبولة بحيث أصبحت مناسبة للمشاريع، وتمّ الوصول لحلول مريحة تناسب نوع المشروع وتلبي الرغبة.

تعقيدات مصرفية

سعاد إبراهيم إحدى المستفيدات من صندوق المعونة شرحت كيفية توجهها للصندوق والتعاون الذي أبداه الموظفون، وبيّنت أن مشروعها كان للخياطة، وقد سحبت القرض واستأجرت المحل واشترت مستلزمات الخياطة بشكل كامل، مؤكدة نجاح مشروعها وأنها تملك اليوم دخلاً مكّنها من مساعدة زوجها وأولادها ولاسيما أنها غير موظفة. أما الجريح يامن عيسى (مستفيد آخر) فقد رغب أن ينقل رأيه ورأي الكثيرين في قرى الساحل بالقول: بما أن المشاريع التي تقام موجودة في مناطقنا بشكل مستمر حبذا لو تُترك الحرية للشخص المقترض باختيار المشروع الذي يرى فيه فائدة له ولأسرته ومنطقته، بعيداً عن التقيّد بالمشاريع الموضوعة من قبل الصندوق. أما بالنسبة لطريقة إعطاء القرض فتمنّى يامن أن تكون مباشرة من الصندوق عبر شيك على شكل دفعة أو دفعتين، وبعيداً عن تعقيدات المصرف وإلغاء شرط رهن العقار أو الأرض طالما يوجد كفيلان قادران على تغطية القرض. وأضاف يامن: مشروعي تربية دجاج بياض (ألف دجاجة) ربحي يعادل نصف الإنتاج وقرضي 2 مليون قبضته على دفعتين، القرض جيد كون الصندوق يتحمّل 4% وكل أمورنا ميسّرة ريثما نصل للمصرف الزراعي التعاوني الذي تبدأ تعقيداته ولاتنتهي، وهو لا يعترف أبداً على الاتفاق الموجود مع الصندوق، وإجراءات المصرف ماهي إلا عبارة عن زيادة تكاليف على عكس الصندوق وموظفيه الذين يقدمون كل العون، وتمكّنت عبر القرض من تحسين وضعي ولاسيما أنني مصاب حرب ولا أملك شيئاً يساعدني سوى مشروعي الذي بين يدي. إلى جانب ذلك أشار يامن إلى المرونة التي تتحلّى بها مشاريع الأمانة السورية المقامة في منطقته على عكس مشاريع صندوق المعونة.

حديث مصرفي

مدير المصرف الزراعي التعاوني إبراهيم زيدان أشار إلى الاتفاقية الموقعة بين المصرف الزراعي وصندوق المعونة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تقوم بدورها بتدريب المستفيدين ممن يقترضون بعد اختيار مشاريعهم التي تناسبهم ثم تحول الإضبارة إلى المصرف الزراعي، وبما أن أموال المصرف الزراعي هي ملك للدولة، فإنه -وبحسب زيدان- مطالب باستردادها من المتعامل. أما شروط الإقراض فقد أكد أنها سهلة وميسّرة ومشابهة لباقي المصارف. يقول مدير المصرف: الهدف الأساسي من القروض التي تدعمها الدولة خلق فرص عمل للشرائح الأكثر هشاشة وفقراً، وبالتالي زيادة الإنتاج وتحقيق استقرار اقتصادي لهذه الأسر، حيث إن الدولة خطّطت لتغطية جميع المناطق في سورية، والهدف تعليم الناس كيفية خلق فرص عمل، وضمانات المصرف هي كغيرها ليست معقدة، مكان المشروع يتوجب رهنه إلى جانب وجود كفيلين أحدهما موظف وذلك ضماناً لاسترداد القرض واستمرار الأموال لإعادة إقراضها وضخها من جديد. وفي الوقت نفسه فنّد زيدان ادعاءات عزوف المصرف عن الإقراض مؤكداً أنه لم يتوقف عن مهامه حتى خلال الحرب، وأنه الوحيد فيما يتعلق بالمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر يمتلك خبرة في الإقراض تعود لـ30 سنة، تتضمن العديد من الاتفاقيات مع النساء الريفيات والإرشاد الزراعي في هذا الخصوص. وأبدى استعداده لمحاسبة أي شخص أو موظف يضع معوقات أمام المستفيدين في كافة فروع المصرف المنتشرة في المحافظات لإزالة العقبات وعلاج الشكوى إذا كان صاحبها على حق. وبالنسبة لشرط رهن العقار ووجود الكفلاء والضمانات فقد بيّن زيدان أن المصرف يكتفي بالضمانة الشخصية لمشاريع المعونة حتى المليون، وما زاد عن ذلك المبلغ فإن الضمان محدّد بقرار من قبل مجلس النقد والتسليف والمحدد بضمان رهن العقار وهي تعليمات معمّمة على جميع المصارف في سورية.

تمكين اجتماعي

في المقلب الآخر رأت رشا شعبان (خبيرة في الشأن الاجتماعي) أن صندوق المعونة الاجتماعية يجب أن يتعدّى دوره المرتبط بالمعونة على شكل عمل خيري إلى التمكين الاجتماعي، وهو في جوهره إمداد الشخص بمال يمكّنه من استثماره بمشاريع ولو على مستوى بسيط، ويتوجب أن تكون مدروسة وجديّة تستمر لتغدو مشاريع أكبر من شأنها أن تحوّل العمل الاجتماعي من إعانة أسرة إلى تنمية بشكل عام وأوسع، وبالتالي تمكين الفرد من فك ضيقه وتحويل الشخص من عبء إلى مساهم ومنتج. وأشارت شعبان إلى ضرورة التشبيك مع القطاع العام عبر مؤسساته لتصريف الإنتاج وإقامة شراكات عبر عقود مع المستفيدين لتكون العملية متكاملة، إلى جانب ذلك يجب أن تكون المشاريع المدعومة مدروسة وملائمة لطبيعة المنطقة وتلبي احتياج البلد والمنطقة، لتحقق بذلك الغاية التنموية وليس الخيرية المرتبطة بمساعدة فرد، مشدّدة على ضرورة الدراسة الدقيقة لكل خطوة يخطوها المعنيون في هذا المجال، وتحديد من المستفيد وكم يحتاج، لأن الحلول في الظرف الراهن يجب ألا تكون إسعافية، بل يجب أن تواكب الإعمار عبر تحصين الأسرة من الفقر والجهل، وأملت أن يتمّ تغيير اسم الصندوق من صندوق معونة إلى تمكين اجتماعي.

نجوى عيدة