دراساتصحيفة البعث

فرنسا تجني تبعات البترول

ترجمة: هيفاء علي
عن لوغراند سوار 3/2/2019
يجب أن نتذكّر أن حركة السترات الصفراء بدأت كردّة فعل على ارتفاع أسعار الوقود، وعلينا ألا ننسى أن هناك عنصراً بدائياً يسمح “للمواطنين” بالسفر يومياً إلى العمل اسمه الذهب الأسود.
ولتسليط الضوء على الدور الحيوي للنفط الذي يؤثر على وجود شعب “متحضر” كالشعب الفرنسي مثلاً، وكيف أنه لا يزال يؤثر على العلاقات الدولية التي لا تزال في حالة انعدام الاستقرار، من الضرورة بمكان العودة مرة أخرى إلى حرب 1914-1918 ذلك أنه إذا كانت تلك الحرب، على المستوى الإنساني، كارثة لا يمكن إصلاحها إلى الأبد، فيجب الاعتراف كم تبيّن العكس، وكانت بالنسبة لبعض القوى المنخرطة في النزاع، وسيلة ناجعة لضمان انتصار سياسي واقتصادي حقيقي للوقت الحاضر، وفي المستقبل.
لقد ربح النفط لقب المجد من خلال المساهمة في حلّ الصراع الذي استمر لمدة أربع سنوات، لدرجة دفعت وزير الخارجية البريطاني آنذاك، إلى إقامة مأدبة عشاء في لندن في 21 تشرين الثاني 1918، حيث أثار تصفيقاً حاداً لدى الحضور عندما قال في خطاب ناري: “سيقول المستقبل إن الحلفاء أحرزوا النصر على أمواج النفط”!.
كما أشار وليام إنغدال في كتابه “النفط، حرب القرن”: “في عام 1914، في بداية الحرب، وفي مواجهة الحاجة إلى ضمان توريد كميات هائلة من النفط من أجل نقل القوات والمعدات، ولصناعة المتفجرات، تعيّن على الدول المتحاربة القيام بالتحكم فيها وإدارتها مباشرة، لأنه كان لا غنى عنها لاستمرار الحرب من أجل النصر، علاوة على ذلك، كانت جديدة تماماً من حيث التدخل الاقتصادي. على هذا الجانب، لا يستطيع اللورد كرزون، المتحدث باسم البريطانيين، إلا أن يهنئ نفسه على النتائج المرضية التي تمّ الحصول عليها”.
ولأسباب وجيهة، آل الأمر ببريطانيا العظمى، التي لم يتمّ إنكار تفوقها الاقتصادي، إلى القلق من صعود الولايات المتحدة، بسبب قدرتها على إنتاج وقود ذي قيمة وجودة عالية. وبالتالي، كان يجري إعداد تغيير كبير في ميزان القوى الدولي، وهو ما أكدت عليه الحرب أيضاً، حيث إن حقول النفط الأمريكية توفر 80٪ من احتياجات النفط للحلفاء إلى الحدّ الذي يمكن أن يحلّ محل الفحم، الذي كانت بريطانيا حتى الآن المنتج الرئيسي والمزوّد به، ما جعل هيمنة الإمبراطورية البريطانية مهدّدة أكثر من أي وقت مضى.
في هذا الصدد، يقول وليام إنغدال: “نادراً ما نذكر حقيقة أنه قبل فترة طويلة من عام 1914، لم تقتصر الأهداف الجيوسياسية الإستراتيجية لبريطانيا العظمى على سحق منافستها الصناعية الألمانية الكبرى فحسب، بل عن طريق الفتح، وضمان السيطرة البريطانية بلا منازع على هذه الموارد النفطية الثمينة التي أصبحت منذ عام 1919 المادة الخام الإستراتيجية التي لا غنى عنها للتنمية الاقتصادية”.
لقد أظهر البريطانيون أنفسهم، حتى في علاقاتهم مع القوى الأخرى، من خلال الاهتمام بالمحافظة على المصالح الأساسية المرتبطة بإدامة سيطرتهم الاقتصادية على العالم، مهما كان الثمن، ومع حلفائهم قبل خصومهم.
بينما كانت فرنسا وألمانيا منهمكتين في الاقتتال مع بعضهما البعض في مجزرة دموية وعديمة الفائدة على طول خط ماجينو، كانت بريطانيا تنقل أكثر من 1400000 من جنودها، وهو رقم مرعب، إلى المسرح الشرقي.
فهل علينا تكرار ذلك؟.. إن دراسة العلاقات المالية الحقيقية بين المصالح الرئيسية في الحرب تكشف عن خلفية استثنائية من الاعتمادات السرية المرتبطة بخطط مفصلة لإعادة توزيع المواد الخام وثروات العالم كله بعد الحرب، وخاصة مناطق الإمبراطورية العثمانية التي اشتهرت باحتياطيات النفط.
في الواقع، لم تكشف أي حرب حتى الآن للقوى العظمى الأهمية القصوى لإمدادات النفط لمستقبل الأمن العسكري أو الاقتصادي. وبتوقيعها على اتفاق سايكس-بيكو السري، الذي ضمن لها حصتها من الذهب الأسود، فقد أبرمت فرنسا اتفاقاً من العار وسوف تستمر في مواجهة تبعاته الثقيلة حتى بعد مرور قرن من الزمن.