الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

إهمال ينخر عمق الجمال

 

غالباً نقصد الحدائق لأننا نعشق أن نتواجد في مكان جميل وهادئ بعيداً عن فوضى المدينة وازدحامها بالآليات والأصوات المزعجة، ونحب أن نستبدل هذا المشهد المشوه بمكان مليء بالمساحات الخضراء والملونة بالورود، ونطلق لأنفسنا العنان في التأمل ونشحن أرواحنا مجدداً بطاقة إيجابية من إبداع الخالق، لنكتشف أحياناً أننا استبدلناه بتشوه أكبر.
وعندما احتضنت دمشق بعضاً من الحدائق التي ربما صممت لهذا الغرض، اختنقت بالمهملين والفاسدين ممن اعتادوا أن يفسدوا كل شيء جميل بلا مبالاتهم وإهمالهم وهذا ما شاهدناه في حديقة تشرين أكبر الحدائق الدمشقية، أكثر من 33 هكتارا تضم مختلف الأشجار والورود ونباتات الزينة ضمن تنسيق وتصميم رائع، وفيها الكثير من المنحوتات والتماثيل موزعة في مختلف أركانها، وهي مجهزة بالكثير من الخدمات للزوار من ملاعب أطفال واستراحات ومطعم ومسرح، وفيها كذلك أجنحة مخصصة لإقامة المعارض والعروض الفنية والموسيقية، لكن إلى جانب كل تلك الأشياء الرائعة، تتناثر الحاويات الممتلئة بالنفايات بشكل قبيح لتختلط رائحتها مع رائحة الزهور التي زرعت لتبث النسائم الطيبة، وتتزاحم فيها الأكشاك ومقدمو النرجيلة ليصفوا أيقوناتهم على الأرصفة المخصصة لعبور الناس فتشعر وكأنك دخلت في متاهة، أما عن تلك الموسيقا الصاخبة التي تهلك الروح التي أتيت لتنعشها، فهي احتلت هدوء المكان ورقيه بسفاهة من وضعها.
من الطبيعي جداً أن تهب تلك الحديقة مساحة للحب الجميل فيها، فكثيراً ما جمعت بين قلبين عاشقين جلسا معاً وباح كل منهما للآخر ما بقلبه ورويا لبعضيهما قصص حياتهما، وهذا ليس بذنب، إنما الشيء القبيح ألا نحترم تواجدنا في مكان عام يقصده الصغار قبل الكبار ونتصرف تصرفات غير أخلاقية لا تمت لمبادئنا بصلة ونعتمد هذا المكان كوسيلة لتفريغ الرذائل ظناً منّا أن “الطاسة ضايعة”.
ليزيد الطين بلة أولئك الزوار الذين تجاهلوا تلك الحاويات الكبيرة ليثبتوا ثقافتهم برمي النفايات حولهم ومغادرة المكان دون الاهتمام لما تركوا من أثر مريع وراءهم.
في الواقع هناك أشخاص وظفوا لمراقبة هذا المكان وحمايته بوظائف مختلفة فأين هم من هذه الفوضى؟ ربما هذه الأشياء لا ترى بالعين المجردة بالنسبة لهم فهل نعيرهم مجهرنا حتى يقوموا بواجباتهم؟ وهل يجب دائماً أن نضع رقيباً علينا مع أن الموضوع لا يتطلب منا سوى قليل من الاهتمام والأخلاق، ورغم أننا علمنا أطفالنا أن يحبوا بلدهم ويحافظوا عليه، ولكن بالتأكيد لن تعطي نتيجة لأنهم يقتدون بأكبرهم طبعاً، فلنُعد هذه الحدائق إلى محيّاها الجميل ولنحيّ الرقيب الذي بداخلنا أهم من أن نحيي الرقيب الذي علينا.
ريم حسن