رأيصحيفة البعث

في الطريق لإنهاء شريعة الغاب

عندما يرسل ترامب صهره جاريد كوشنير في جولة إلى منطقتنا، تشمل دول الخليج وتركيا، ويطير هو إلى هانوي للقاء الرئيس الكوري الديمقراطي، ففي ذلك أبلغ دلالة على أن المال ليس هو الفيصل والمقياس في العلاقات بين الدول، كما يعتقد بعض حكامنا العرب، الذين يرون أن احترام القوة الأكبر في الدنيا لهم هو بقدر ما يقدمونه لها من ولاءات وانبطاح وتنفيذ للإملاءات، وبقدر ما يتم من تآمر، حتى على الأشقاء، وتمرير للصفقات وتقديم للتنازلات، وحتى بالمساومة في قضايا ليس من حقهم المساس فيها، كما أيضاً بالهرولة إلى البيت الأبيض لتقديم فروض الطاعة واستلام لائحة المطالب..

الاحترام يكون بقدر ما تعد الدول من قوة وتحترم نفسها لكي تفرض احترامها على الآخرين، فالعدو، لا يحسب حساباً إلا لمن يستطيع قول: “لا” عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية العليا أو بالمساس بكرامة الشعب، وعليه ليس أمام الرئيس الأمريكي من خيار إلا الاستماع حتى آخر كلمة للرئيس كيم جونغ أون ويتبع أقصى درجات الحذر في كل خطوة يخطوها، أما من كان عميلاً وأجيراً عند حاكم البيت الأبيض، ومن باع أشقاءه في البورصة الأمريكية لا يستحق أكثر من مبعوث بحجم كوشنير لتصفية قضية بحجم قضية فلسطين.

يسعى الرئيس الأمريكي لسلق إنجازات على عجل هرباً من أزماته التي أصبحت لا تعد ولا تحصى، إن كان على المستوى الاستراتيجي بعد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، ومن معظم الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان وبالتجارة الدولية، وأزماته مع الجوار بعد تدخله السافر في فنزويلا، وكذلك في الداخل الامريكي جراء الفضائح التي تلاحقه وتعرّضه لانتقادات قد تؤدي إلى عزله قبل نهاية ولايته الرئاسية، خاصة في ضوء سيطرة الجمهوريين على معظم مجلس الشيوخ والكونغرس.. أزمات وتحديات جعلت خياراته محدودة والاكتفاء بساعي بريده صهره العتيد لإبلاغ رسائله إلى حكام الخليج للمساعدة في تمرير “صفقة القرن” القائمة على تحسين النواحي الاقتصادية بمشاركة “إسرائيل” ودول الخليج وذلك على حساب مبدأ “الأرض مقابل السلام” الذي كان على مدى وقت طويل أساساً للموقف العربي حيال التسوية. ما يعني أنه حسب خطة ترامب/ كوشنير لا بحث بعد اليوم في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أو مستقبل القدس أو مصير المستوطنات أو حق العودة، وهي القضايا الرئيسية التي توقّفت المفاوضات بسببها منذ فترة طويلة، بل إن ترامب فعل عكس ذلك تماماً فهو مهد لصفقته باعترافه بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل” ونقل السفارة الأميركية إليها، ولم يعترض على التوسّع الاستيطاني في الأراضي المحتلة، كما أوقف كافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني وللمؤسّسات الدولية الراعية لشؤون اللاجئين مستفيداً من استعجال ممالك ومشيخات الخليج على التطبيع مع كيان الاحتلال مقابل الصمت الأمريكي عن جرائمهم في سورية واليمن والعراق.

خلاصة  ما تقدّم أنه ما كان ليحدث من عبث بقضية العرب المركزية وبأمن واستقرار منطقتنا لولا هيمنة مشيخات البترودولار على القرار العربي وتوفير الغطاء والمال لمجمل أعمال ترامب العبثية والإجرامية، وبالمقابل ما كان ترامب ليكلّف نفسه عناء السفر إلى فيتنام للقاء الرئيس الكوري الديمقراطي، ولولا تمسك الزعيم الكوري الديموقراطي بمصالح وطنه وكرامة شعبه واستثمار إمكانيات بلاده الاقتصادية المحدودة بفعل الإرادة والاعتماد على الذات لكي يصل إلى التقنية النووية.

من حال الضياع والفرقة الذي تمر به أمتنا تبرز أهمية ترسيخ تحالف على قدر التحديات، ولأن سورية كانت ولا تزال تمثّل خط الدفاع الأول عن الهوية والحقوق فهي تعد ليس فقط لإحباط المخططات الصهيوأطلسية، بل لاستعادة الحقوق السليبة عبر التحالف الاستراتيجي مع الدول الصديقة، وفي مقدمتها إيران وروسيا والصين، والتي تحملت أعباء الدفاع عن الشعوب المظلومة.. ففي طريق إنهاء شريعة الغاب، التي أرستها واشنطن، لابد من تشكيل قوة كبرى تغيّر قواعد الاشتباك وتعيد التوازن للقرار العالمي بإنهاء الأحادية القطبية، ولعل عودة ترامب خاوي الوفاض من هانوي وفشل المشروع التدميري في سورية أولى تباشير النصر المبين.

عماد سالم