أخبارصحيفة البعث

بولندا وأسطورة “المحرقة”.. محاولة للتملص؟!

أثارت اتهامات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو للبولنديين بالضلوع في ما يسمى “الهولوكوست”، وتصريح القائم بأعمال وزير خارجيّته يسرائيل كاتس بأن “البولنديين رضعوا اللاسامية مع حليب أمهاتهم”، ردود فعل حادة من الجانب البولندي، الذي أعلن عن إلغاء مشاركته في مؤتمر فيشغراد، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى الاستعاضة عنه باجتماعات ثنائية مع نظرائه السلوفاكي والتشيكي والهنغاري، فما المسوّغ الفعلي لهذه الاتهامات ضد دولة أوروبية شرقية تعدّ من الحلفاء المقرّبين لنتنياهو، وإلامَ أراد أن يصل من خلالها؟!.
يلاحظ المتتبّع لطبيعة العلاقة بين “إسرائيل” والدول الأوروبية بشكل عام، وألمانيا على وجه الخصوص، أنها تتسم بالابتزاز، حيث لا تزال أسطورة “الهولوكوست”، والتي ابتدعتها النازية لتكنيس السرطان الصهيوني من أوروبا، تشكّل مصدراً أساسياً للاسترزاق من ألمانيا، وقد تحدّثت تقارير رسمية عن أن مجموع ما دفعته ألمانيا للكيان الصهيوني حتى الآن تجاوز السبعين مليار دولار، ولكن إقرار البرلمان البولندي قانوناً يمنع الحديث عن “جرائم الشعب البولندي” خلال فترة “الهولوكوست”، ويهدّد بسجن كل من يستخدم عبارة “معسكر الإبادة البولندي”، في إشارة إلى معسكر أوشفيتس الذي أقامه الاحتلال الألماني النازي ونفّذ فيه عمليات إعدام وحرق جماعية لمئات الآلاف من شعوب دول عدة احتلتها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، أثار القلق في الكيان الصهيوني من إمكانية أن تحذو دول أوروبية أخرى حذو بولندا، مع كل ما يحمله ذلك من محاولات للتملص من ابتزاز “إسرائيل”، وخاصة أنه ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات للتدقيق في صحة الروايات حول حقيقة “المحرقة” من عدد لا بأس به من الكتّاب والصحفيين، حيث اتسعت في أوروبا دائرة الرفض لهذه المزاعم، الأمر الذي دفع القادة الصهاينة إلى تفعيل ما يسمّى “قانون معاداة السامية”.
أما وقد أصرّت حكومة نتنياهو على إثارة هذا الموضوع بهذه الطريقة مع الدولة التي ينتمي أبرز قادة الكيان الصهيوني إليها، فإن هذه الأزمة قد تنفتح على عدة احتمالات، وخاصة أن بولندا هذه كانت تنتمي إلى المعسكر الاشتراكي سابقاً، الأمر الذي يمكن أن يقود دول أوروبا الشرقية إلى التفكير جديّاً فيما يقف وراء هذا التوجّه الصهيوني، حيث يعلم الجميع أن معسكرات النازية كانت موجودة في الدول التي وقعت تحت سيطرة القائد النازي أدولف هتلر من جميع القوميات والديانات، وبولندا خرج منها العدد الأكبر من المهاجرين اليهود إلى ميناء حيفا على متن السفن الألمانية التي يملكها صهاينة قبيل الحرب العالمية الثانية، والتي ربما كانت مع دعاية “المحرقة” سبباً رئيسياً في تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وهو هدف أساسي من أهداف الحركة الصهيونية، بمعنى أن “المحرقة” ذاتها كانت صدمة دافعة متفقاً عليها مع زعماء النازية لإجبار اليهود على الهجرة خدمة للحركة الصهيونية، ولا يستطيع أحد أن ينفي التحالف الذي كان قائماً بين الصهيونية والنازية، ولكن العمل الصهيوني يبقى منصبّاً على إجبار الأوروبيين على الاقتناع بعكس هذه الفكرة، من خلال الاستمرار بإظهار العداء للنازية للإبقاء على مصدر الابتزاز.
ومن هنا ندرك أن الخلاف الإسرائيلي البولندي يتعلق أساساً بأن إحدى الدول الأوروبية بدأت تستشعر حقيقة الأكذوبة الصهيونية فيما يخص موضوع “الهولوكوست”، وبالتالي يُخشى أن تكون بولونيا بداية سلسلة من الدول التي تتنصّل من هذا الموضوع، فتخرج أكبر أوراق الابتزاز الإسرائيلي للدول الأوروبية من التداول.
وهذا بالمحصلة، يقود إلى أن هناك شعوراً أوروبياً متنامياً بأن الوقت قد حان للخروج من سطوة الشعور بالعطف على “اليهود”، بل هناك توجّه للتخلص من الابتزاز الصهيوني، وبالتالي يحاول قادة الكيان الصهيوني العودة بالأوروبيين إلى المربع الأول، من خلال رفع فزاعة معاداة السامية في وجههم، ولذلك اعترضت الولايات المتحدة و”إسرائيل” العام الماضي على القانون الذي أقرّه البرلمان البولندي في هذا الشأن، لأن القبول بالتشكيك البولندي بهذه الرواية سيفتح الباب مجدّداً لعدد آخر من الدول الأوروبية للتشكيك بها، وهذا ما سيؤدّي بالمحصلة إلى فضح هذه الأكذوبة التي تمّ ابتزاز أوروبا بها على مدى سبعة عقود من الزمان.
طلال الزعبي