اقتصادزواياصحيفة البعث

ارتفاع أسعار السيارات المصنعة محلياً يقوض أحلام امتلاكها الشركات أمام تحدي تطوير الإنتاج حتى العام 2022 وإلا فالتوقف مصيرها!

التمس جميعنا الأمل عندما أقلعت صناعة السيارات في سورية مجدداً بعد سنوات من الأزمة, وبدأ طرح منتجات هذه الصناعة للبيع بسعر يقارب سعر السيارات المستعملة, وأخص بالذكر في هذا التحقيق السيارات السياحية، التي تمثل آمال ذوي الدخل المحدود وتطلعاتهم في ظل أزمة نقل خانقة لم تجد حلولاً مرضية حتى تاريخه، ولكن المفاجأة كانت بارتفاع السعر الذي كان بالأصل بعيداً جداً عن متناول معظم فئات المجتمع, وجر ذلك معه الركود وارتفاع أسعار السيارات حتى المستعملة.

السبب

المدير الفني في المؤسسة العامة للصناعات الهندسية المهندس خالد حساني الذي أوضح لنا أن المؤسسة شريك بنسبة 30% شركة سيامكو السورية الإيرانية لإنتاج السيارات, بين أنه في بداية العام الماضي أصدرت وزارة الصناعة تعليمات صارمة لضبط عملية استيراد قطع السيارات المراد تجميعها محلياً بسبب عدم وجود ضوابط محددة لضبط عمليات التجميع والتصنيع، وتنوع التعليمات الصادرة عن المديرين في كل مدينة من المدن الصناعية، وكثرة الاجتهادات والتأويلات لمديري تلك المدن, وبعد أن كانت نسبة الرسوم الجمركية على مستلزمات تجميع السيارات 5% تقرر رفعها إلى 30% على السيارات المجمعة في المصانع السبعة الموجودة في القطر، والتي جميعها لا تملك إلا صالة واحدة للتجميع فقط, في حين بقيت الجمارك 5% على السيارات المنتجة في مصانع تمتلك ثلاث صالات، مع العلم أن شركة سيامكو فقط تمتلك ثلاث صالات، إضافة لصالات تلحيم قطع الشاسيه والقطع المعدنية للسيارة, وصالة للدهان والبخ والتلميع, وهذا القرار سبب ارتفاع سعر السيارات التي يتم تصنيعها محلياً, إضافةً إلى عوامل أخرى، كان أبرزها تحديد الأسعار الاسترشادية لكافة المركبات الآلية من قبل وزارة الصناعة استناداً لكتابي مجلس الوزراء رقم 86/6 تاريخ 2/7/2018، ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 4692/2306/10 تاريخ 15/7/2018 اللذين سببا أيضاً رفع أسعار تلك السيارات بحسب سعة المحرك والبلد المورّد للقطع، وعدد صالات المصنع.

عقبة كبرى

وأكد حساني أن صالة الدهان والبخ والتلميع هي العقبة الكبرى في صناعة السيارات محلياً والتي أدت لإحجام الشركات عن تزويد مصانعها بثلاث صالات؛ لأنها تحتاج آلات ضخمة ومكلفة، وتحوي أحواض دهان كبيرة قد تتعرض محتوياتها من الطلاء للتلف عند توقف الصالة عن الإنتاج المستمر, إضافة إلى أنها تحتاج إلى درجات حرارة عالية على مدار اليوم، وذلك كله يتطلب إنتاج عدد كبير من السيارات لتحقيق التوازن بين التكاليف والأرباح, وبالتالي لا يمكن تحقيق ذلك حالياً لعدم وجود كمية الإنتاج المطلوبة، وعدم إمكانية جمع المصانع الصغيرة مع بعضها كونها تتعاقد مع شركات متنوعة، بل من عدة بلدان. ونوه حساني إلى أنه تم منح مهلة لجميع مصانع السيارات حتى تاريخ 8/2/2022 لإنشاء ثلاث صالات تحت طائلة إغلاق تلك المصانع, وحتى تاريخه لم تقدم سوى شركة خاصة واحدة على البدء بتجهيز مصنع يحوي ثلاث صالات, وباعتقاده لن يستخدم أي مصنع نظام الثلاث صالات حتى تنتهي المهلة المحددة لتطبيق ذلك النظام في ظل الوضع الراهن, وأن بقية الشركات على ما يبدو تنتظر إما التوقف عن الإنتاج بعد انتهاء المهلة أو تغير القرارات الناظمة لصناعة السيارات دون أن تباشر في استكمال بناء صالات معاملها.

ضرائب لا ترحم

بالاطلاع على وثيقة الأسعار الاسترشادية للسيارات السياحية تبين أنها حددت أسعاراً تصل إلى أضعاف سعر السيارة في بلد المنشأ أو حتى في بلدان الجوار, فإذا كانت البلدان المورّدة للقطع هي الهند، إيران، الصين، روسيا، بيلاروسيا، فسعر السيارة المنتجة في الصالة الواحدة محدد بمبلغ 8500 دولار في حال كانت سعة المحرك 1600 س.س فما دون، وبمبلغ 11000 دولاراً إذا كانت سعة المحرك من 1600- 3000 س.س, في حين يتم حسم مبلغ 500 دولار فقط من المبلغين المذكورين آنفاً في حال كان المصنع يتضمن ثلاث صالات, وأضافت الوثيقة نسبة 20% على السعر الاسترشادي المحدد أعلاه في حال كان البلدان المورّدة للقطع هي كوريا – التايوان – تركيا – أمريكا الجنوبية – التشيك- هونغ كونغ – ماليزيا- دول أوروبا، كما أضافت  الوثيقة نسبة 40% على السعر الاسترشادي للسيارة في حال كان بلد المنشأ القطع من غير الدول المذكورة أعلاه، وهنا يبدو كم من الصعب تخفيض سعر السيارة حتى وإن كانت تجميعاً محلياً, ولا نغفل هنا أن هذا السعر الاسترشادي ستضاف عليه الرسوم الجمركية والضرائب ورسوم الفراغ والتسجيل للمرة الأولى والأرباح، وبالتالي سيتضاعف السعر الاسترشادي أيضاً إلى ما يقارب الثلاثة أضعاف.

دون المطلوب

وبحسب عدد من المصادر وآراء عدد من المحللين الاقتصاديين كان من المخطط أن يساهم رفع الرسم الجمركي إلى 30% بتحفيز هذه الصناعة وتطويرها، وتشغيل عدد أكبر من اليد العاملة وتعزيز الخبرات الوطنية وتخفيض التكاليف، لكن الواقع أظهر أن تجربة صناعة السيارات في سورية تعثرت ومازالت دون المطلوب, ولم تمر بأي تقدم بالتزامن مع ظروف الحصار الاقتصادي الذي نعيشه وقلة الإنتاج وعدم رغبة أصحاب المصانع في تطوير مصانعهم, مشيرين إلى وجوب وضع خطط تلزم الصناعيين بتطوير مصانعهم بشكل تدريجي, كما يجب أن يتناسب سعر السيارات مع متوسط الدخل والقوة الشرائية قدر المستطاع.

وذهب البعض إلى أن تجربة تصنيع السيارات محلياً لم تقدم أية فوائد على الصعيد النمو الاقتصادي، وكان من الأفضل توجيه الاستثمارات نحو أية صناعات أخرى, فيما رأى الكثيرون ومن بينهم عدد من العاملين في صناعة السيارات أنه كان بالإمكان تخفيض الجمارك والرسوم المالية مما يزيد عدد السيارات المنتجة، وبالتالي تحقيق أرقام أكبر على صعيدي الأرباح و الضرائب و الرسوم.

على هامش التكنولوجيا

لقد أصبحنا نسير في مجتمع سيارات خارج عن المسار مقارنة حتى بدول الجوار التي دخلت معامل السيارات فيها حيز التصدير وبشراكة مباشرة مع الصانع الأساسي، وبدأت مجتمعات أخرى باقتناء السيارات الهجينة التي تعمل على الكهرباء والوقود, أو السيارات الكهربائية, في حين تسود لدينا سيارات يعود بعضها لسبعينيات القرن الماضي وبسعر يفوق المليون ليرة سورية ويقبل عليها المواطن مجبراً, كما لم تحقق سيارة شام مثلاً رغم انخفاض سعرها نسبياً أية منافسة في السوق المحلي بسبب اعتمادها محركاً بتقنيات قديمة وغطاء ألمنيوم ذو ضجيج مرتفع يستهلك الوقود, ناهيكم عن قلة رفاهية المقصورة الداخلية لها وعدم وجود علبة تروس أوتوماتيكية, وباتت تلك السيارة للأسف تباع بسعر زهيد جداً في حال كانت مستعملة, وانخفضت أرقام مبيعاتها بشكل كبير رغم رمزيتها للمواطن السوري, وقد علّق المدير الفني في المؤسسة العامة للصناعات الهندسية على ذلك بأنه ليس لوزارة الصناعة سلطة إشراف أو توجيه لصناعة السيارات في سورية كون جميع شركات صناعة السيارات لقطاع الخاص, إلا أنه أكد سعي شركة سيامكو لتطوير إنتاجها وإدخال التكنولوجيا الصينية في عمليات الإنتاج.

بشار محي الدين المحمد