أخبارصحيفة البعث

فلسفة «السيزر»تحويل المقاطعة الأحادية إلى مقاطعة شمولية

 

د. مهدي دخل الله

قانون سيزر الأمريكي اسمه «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين». ويقال إن قيصر (سيزر) هو لقب أحد «المرتزقة السياسيين» السوريين المقيمين في الولايات المتحدة. أما «حماية المدنيين»، فتدل على مدى العبث العجيب في سياسة أمريكا، فكيف يمكن حماية المدنيين عن طريق مقاطعتهم ومنع أي سبب من أسباب الحياة بالوصول إليهم؟..
ما يهمني هنا هو التقنية التي تستخدمها واشنطن لتحويل مقاطعة أحادية الجانب، تقوم بها دولة ضد أخرى، إلى مقاطعة مفروضة تشارك بها جميع دول العالم..
إنها تقنية تشير في عجائبيتها إلى ما هو أسوأ من مصطلح «حماية المدنيين» الموجود في عنوان القرار.
تعرف العلاقات الدولية ثلاثة أنواع من العقوبات، أحادية، ومشتركة (تقوم بها مجموعة من الدول )، وأخيراً ما يسمى بالعقوبات «المشروعة» التي يقرها مجلس الأمن..
لا تستطيع الولايات المتحدة إقرار عقوبات «مشروعة» ضد سورية، لأن مجلس الأمن لم يعد مرتعها الذي تصول فيه وتجول كيفما تشاء. حتى العقوبات المشتركة أضحت صعبة، إذ أن أوروبا أيضاً أخذت تبتعد، ولو قليلاً عن سياسات «العم سام»، كما حصل مع الاتفاق النووي الإيراني (5+1).
خرجت العبقرية الاستعمارية في الايستابلشمنت الأمريكي (الكونغرس والبيت الأبيض) بفلسفة جديدة اسمها فلسفة سيزر، لا شك في أن العلوم السياسية ستقف عندها حائرة تضرب كفاً بكف..
أمامي الآن نص القانون، كما أقره الكونغرس بتاريخ 22 كانون الثاني من هذا العام. المادة الثانية من القسم الأول (تحمل الرقم 1 صفر 2) تكشف تقنية فرض «الأحادية» على الجميع..
هذه المادة تقول: إن واشنطن سوف تعاقب وتقاطع جميع الأشخاص الأجانب الذين يتعاملون مع سورية خاصة في مجال النفط والغاز ومشتقاته. ومصطلح الأشخاص هنا معناه الأشخاص الطبيعيون والأشخاص الاعتباريون (الشركات والبنوك وغيرها). هذه المادة تفصّل العقوبات وفق قانون الطوارئ الاقتصادية مع الولايات المتحدة..
ماذا يعني هذا ؟؟ لنفرض أن شركة صينية (أو غيرها) حاولت التعامل مع سورية، فستعاقب واشنطن هذه الشركة، وتمنعها من التعامل مع أمريكا، ما يعني أن الشركة ستتعرض لخسائر هائلة لا يمكن تعويض واحد بالمليون منها اذا تعاملت مع سورية!!…
هذه هي اللعبة؟.. أما أن قانون سيزر ينافي القيم التي تبني عليها الأسرة الدولية، وينافي مبادىء القانون الدولي ومقاصده، ويتعارض خطياً مع مبادىء القانون التجاري الدولي والقانون الخاص وغيره.. فهذا آخر ما يهتم به الكونغرس الأمريكي…
على الرغم من كل ذلك.. هناك شيء إيجابي مهم في هذه العاصفة السلبية، وهو أن قانون سيزر يستخدم مصطلح (الحكومة السورية) أو (حكومة سورية)، وليس مصطلح ( النظام) بمعنى (regime) السلبي. هذه الملاحظة تعني أن الاعتراف «بالحكومة» يعني أن أمريكا تعتدي على السيادة في مخالفة واضحة لمبادىء القانون الدولي.. ليس هذا فحسب، إنها تعتدي أيضاً على سيادة الدول الأخرى عندما تفرض على شركاتها عدم التعامل مع سورية…

mahdidakhlala@gmail.com