دراساتصحيفة البعث

انتخابات اسطنبول و ديكتاتورية أردوغان

 

ترجمة: البعث

عن موقع مجلة تايمز10/5/2019

منذ أكثر من شهر، أجرت تركيا انتخابات محلية، ولأول مرة منذ أكثر من عشرين عاماً فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مدينة اسطنبول، وهي المدينة التي كان فيها أردوغان نفسه رئيساً للبلدية. اعتبر أردوغان الخسارة صفعة قوية له، ولهذا السبب رفض قبول النتائج. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ألغى المجلس الانتخابي الأعلى في تركيا النتائج وأمر بإجراء السباق مرة أخرى في 23 حزيران.

هذه ليست أول محاولة من أردوغان لإخضاع الديمقراطية التركية لإرادته بعد ما يقرب من عقدين من الزمان في السلطة. في السابق دفع أردوغان لإجراء استفتاء في عام 2017 من أجل إعادة كتابة دستور البلاد لإنشاء الرئاسة التنفيذية التي يشغلها حالياً، وفي حينها انتقد الكثيرون هذه الخطوة، وأعربوا عن أسفهم لتآكل المؤسسات الديمقراطية في تركيا.

لقد كانت نتائج انتخابات 31 آذار مضمونة لحزب العدالة، لكن مرشح المعارضة إكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري انتزع النصر بهامش ضئيل قدره 13000 صوت على الرغم من استخدام أردوغان سيطرته على وسائل الإعلام التركية التي جندها حزب العدالة والتنمية لإقناع الناخبين بأن التصويت لأي مرشح من غير حزب العدالة والتنمية سيكون بمثابة تصويت لأعداء تركيا. في أعقاب الخسارة، اتهم أردوغان وحزبه المتآمرين الأجانب في مراكز الاقتراع وتحميلهم مسؤولية خسارة بلدية اسطنبول.

وبعد أكثر من شهر، ألغى المجلس الانتخابي في البلاد نتائج الانتخابات لسباق عمدة إسطنبول بناءً على ادعاء حزب العدالة والتنمية بأن الأشخاص الذين أشرفوا على الانتخابات في صناديق الاقتراع هم ليسو موظفين مدنيين. والمثير للاهتمام هنا هو أن المجلس الانتخابي لم يأمر بإعادة ترتيب نتائج انتخابات المجالس والمقاطعات التي أشرف عليها نفس الأشخاص. كان رد فعل الأسواق الدولية سريعاً و خلال 24 ساعة انخفضت العملة التركية بأكثر من 3 في المئة إلى أدنى مستوى لها في 7 أشهر، وارتفع العائد على السندات الصادرة من الحكومة إلى الأعلى.

في الواقع لم تكن أوروبا مسرورة بالتطور، فقد صرح مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بيان لافت للنظر أنه “يجب إتاحة مبرر هذا القرار بعيد المدى  المتخذ في سياق سياسي للغاية، وإن ضمان إجراء عملية انتخابات حرة ونزيهة وشفافة أمر ضروري لأي ديمقراطية، وهو في صميم علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا.

لقد صاغ أردوغان عمداً الانتخابات المحلية التي جرت في آذار كاستفتاء على نفسه ، لكنه تفاجأ برؤية النتائج تسير في الاتجاه المعاكس في عدد من المدن، بما في ذلك العاصمة أنقرة. لكن في حين أن خسارة أنقرة كانت بلا شك ضربة لأردوغان وأنصاره، فقد كانت خسارة إسطنبول – المركز التجاري الأهم في تركيا، والمركز الرئيسي لرعاية أردوغان وحلفائه – هو الأمر الذي لا يمكن تحمله. والآن بفضل المجلس الانتخابي الأعلى – المكدس بالموظفين السياسيين – سيتم إعادة انتخاب رئيس بلدية اسطنبول بحركة سياسية لم يسبق لها مثيل منذ سنوات.

في الفترة التي سبقت انتخابات آذار، أظهرت استطلاعات الرأي أن اقتصاد تركيا المتعثر كان هو العامل الرئيسي وراء تراجع الدعم السياسي لحزب العدالة والتنمية، حيث توقع المراقبون المزيد من الإجراءات الشعبية من أردوغان كي يعزز الفرص السياسية لحزبه على المدى القصير رغم أنها ستلحق ضرراً خطيراً بالآفاق الاقتصادية للبلاد على المدى الطويل. لكن بينما كان أردوغان مستعداً للقيام بكل ما يلزم لاستعادة اسطنبول، أصبح إمام أوغلو الآن شخصية محورية وشعبية لأولئك المعارضين لأردوغان، الأمر الذي قد يعزز دعمه وإجماع الناخبين عليه، وما يؤكد ذلك أن أحزاب المعارضة الأصغر لن تتقدم بمرشحيها، وبدلاً من ذلك ستلقي بدعمها لـ إمام أوغلو باعتباره الفائز في الانتخابات الأخيرة.

هذه الخطوة ستكون محفوفة بالمخاطر، لأنه إذا خسر أردوغان الانتخابات  ستكون الخسارة أكثر صعوبة لـ بلعها، وسيتم تحطيم صورته. وفي هذا الشأن يقول جونول تول، مدير مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إنه إذا فاز أردوغان فلن يكون ذلك بمثابة فوز حقيقي.

من هنا، إن حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي حوله أردوغان إلى الطاغوت السياسي، يقف وراء هذه الخطوة الجذرية. ونجدأن الكثيرين داخل الحزب يعتقدون أن أردوغان كان واجب عليه أن يقبل خسارة اسطنبول من أجل الحزب ومن أجل الديمقراطية التركية. وسواء من ربح أو خسر يوم 23 حزيران، فإن السيطرة على حزب العدالة والتنمية ستصبح أصعب بكثير من تقدم أردوغان في الانتخابات.