اقتصادصحيفة البعث

احتكار السلع والأسواق يوازي المبالغة في أسعارها اســــتشــــاري: من غيــــر المقبـــول تأميـــن حمايــــة لســــلعة أو خدمة مـــا.. وإلا عُــــدّ ذلك “تواطــــؤاً”.

 

 

لا تشبه بانوراما الأسعار لدينا مثيلاتها في الأسواق حول العالم؛ فالسعر هناك هو السعر، والسوق هي السوق، بصرف النظر عن خصوصية كل سوق، وتشكيلة السلع والخدمات وقاعدة العملاء والزبائن والمستهلكين، أما هنا فثمة أسعار نظامية وأخرى موازية.. مدعومة وأخرى حرة.. بيضاء وسوداء.. سياحية وعادية.. رمضانية وشعبانية.. و..!
وهكذا، فمجرد وجود سعرين يعني وجود مشكلة في الأسواق؛ لأن هناك، وبشكل دائم، من يتربص بفارق الأسعار سواء على أساس جغرافي أم زمني أم قطاعي ليحقق بعض المكاسب، إذ ليس مهماً على حساب من تكون هذه المكاسب، فقد تكون على حساب الموردين أو المستهلكين.. المؤسسات العامة أم الخاصة، وإثر هذا الاختلال نتحرك مضطرين لنستجدي حلولاً، ونسد ثغرات قد يتسرب منها بعض الطفيليين الباحثين عن مكاسب ومضاربات سريعة ومجدية..!

البنزين أبرز الأمثلة..
تشكل أسعار البنزين مثالاً واضحاً على فارق السعرين، ما أوجد سوقاً حرة (سوداء)، يتقاسم تجارتها أصحاب السيارات وباعة الأرصفة وغيرهم من حلقات اقتصاد الظل، وأكسب صاحب سيارة أجرة -على سبيل المثال- عشرات آلاف الليرات شهرياً، ثم عدنا لنتحدث عن مراقبة مسار هذه السيارة بتركيب نظام (GPS)، بل شجع سوق شراء سيارات الأجرة، لا بقصد العمل في نقل الركاب، بل المتاجرة بمادة البنزين، عبر الحصول على 350 لتراً شهرياً بسعر (مدعوم) 225 ليرة سورية.

قلة المستوردين.. مزيد من الاحتكار
كثيرة هي الأضرار التي تنجم عن احتكار مستورد، أو عدد محدد من المستوردين، لسوق سلعة من السلع، ولاسيما إذا كانت مستوردة، وهكذا فإن غياب ضبط معدلات التركز التجاري (أي الحصة التي يمكن لمنافس أو مجموعة منافسين الاستحواذ عليها) بشكل صحيح، أسهم في زيادة الاحتكار، وبالتالي بيع السلع المستوردة بضعفين أو أكثر قياساً بسعرها في بورصات السلع والمواد الأولية حول العالم، فهناك منتج سعر الكغ الواحد منه حوالى ستة دولارات، فيما يباع للأسواق المحلية بسعر يتجاوز عشرة دولارات..!
قطعاً، لا يمكن إنكار تقلبات وحركة الأسعار في الأسواق المصدرة للسلع، ولكن أيضاً هناك الكثير من الحجج الواهية لدى بعض المستوردين الذين يلوذون بها لتبرير الأسعار المرتفعة من قبيل تذبذب أسعار الصرف، ومرور المستوردات عبر أكثر من بلد أو أكثر من معبر بري أو بحري، ارتفاع وتيرة الأسعار عالميا، قلة المعروض، ارتفاع تكاليف الإنتاج، وغيرها الكثير من الحجج..
نعتقد أن مشكلة سعر الصرف هي أبرز هذه الحجج وأكثرها وجاهة، ولكن هل فارق الأسعار بين الأسواق المحلية والعالمية، وبين سعر صرف الدولار (الرسمي) و(الموازي)، يبرر مثل هذه المبالغة في الأسعار، فإذا كان الدولار الأول يساوي 460 ليرة، مقابل 600 للثاني، فإن الفارق هو 140، ما يعني زيادة مبررة على السعر بمعدل الربع تقريباً، وليس 200 أو 400 أو 500 بالمئة، كما هو حاصل لبعض السلع والأسواق، دون أن يلغي ذلك وجود بعض الأسباب الطارئة كزيادة أسعار المحروقات، التي يتأثر بها حوالى 160 مادة بشكل مباشر، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل والخدمات وغيرها..

لهيئة المنافسة دور
تمارس هيئة المنافسة ومنع الاحتكار دوراً رقابياً، ولكن ليس على الأسعار، فهذا من اختصاص مديريتي الأسعار وحماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بل على تجاوزات الاحتكار والاستحواذ على سوق بعينها أو جزء كبير منها، وهي تمارس هذا الدور منذ سنوات، إذ أحدثت الهيئة وفقاً للمادة 11 من قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم /7/لعام 2008، بيد أن نتائج هذه الرقابة ما زالت محدودة جداً، فقد تكون قدرات وممارسات بعض المستوردين أكبر من طاقة الهيئة الرقابية، وقد يستخدم هؤلاء عديد الأسماء الوهمية، بحيث تصب جميع مستورات هذه الأسماء في النهاية في مستودعات مستورد كبير، وهو ما لا تستطيع الهيئة ضبطه والرقابة عليه، هذا فضلاً عن التهرب الجمركي، حيث تسعر المستوردات بأقل من سعرها النظامي؛ ما يضمن هامش ربح فاحش للمستورد.
ولا يعد المدير السابق للهيئة الدكتور أنور علي الاحتكار الموجود في الأسواق احتكاراً كاملاً، مع الإقرار بوجود ما يسمى احتكار القلة، وبعض الانكماش الناجم عن ارتفاع الأسعار، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل والخدمات؛ ما حدا المستهلكين لترشيد الإنفاق على الاقتصار على الضروريات، وعدم التوسع في استهلاك الكماليات.
ودرجت الهيئة خلال، السنوات الفائتة، على إجراء دراسات وأبحاث حول سوق سلعة أو خدمة ما، أو التركز الاقتصادي في سوق من الأسواق، أو تغيرات الأسعار العالمية والمحلية للسلع الأساسية خلال فترة زمنية محددة غالباً نصف عام، إضافة للتحري عن المعلومات المتعلقة بشكاوى مستهلكين أو منتجين متضررين من ممارسات تجارية معينة.

نسبة التركز
تحدد الهيئة استناداً لقانون المنافسة نسبة التركز المسموح بها في الأسواق المحلية بـ30 بالمئة، فيما تطمح لتخفيضها إلى 25 بالمئة، واصفة هذه النسبة بأنها من أدنى نسب التركز حول العالم، حيث تتجاوز في الدول الغربية الـ50 بالمئة، وتصل في أميركا إلى 60 بالمئة، وهي في مصر والأردن بحدود 40 بالمئة، علماً بأن تجاوز النسبة المحددة في القانون يعد احتكاراً تجب ملاحقته قانونياً.

أمر غير مقبول..
تنظم حركة الأسواق المعاصرة حرية تدفق السلع والخدمات، دون وجود ضوابط تحد من هذه الحركة، فالمنافسة يجب أن تكون مفتوحة، وبالتالي من غير المقبول تأمين حماية لسلعة أو خدمة ما، وإلا عُدّ ذلك “تواطؤاً”، كما يرى الاستشاري الإداري والاقتصادي الدكتور سعد بساطة، الذي يشترط لتحقيق ذلك وجود منافسة شريفة لا تسيء للمنافسين.
فالسوق التقليدية القائمة على حصة محددة لكل لاعب، وفقاً لبساطة، لم تعد موجودة، كأن تكون سوق المشروبات الغازية مثلاً مقسومة بين كوكا كولا وبيبسي بنسبة 50 بالمئة لكل منهما، بل هناك منتجون قد تصل حصصهم إلى 80 بالمئة، وبشكل مفاجئ ومتسارع، كما حصل لأجهزة الاتصال من سامسونج، حيث الأشكال والمزايا والأسعار تستهوي عديد الشرائح المستهدفة، فالحصة من السوق تكون لكل لاعب على قدر شهرته وثقة الزبائن به وتلبية رغباتهم..
ويبدي الاستشاري أسفاً شديداً لتوقف المنافسة محلياً على نحو كبير لعديد الأسباب، منها قلة أو ندرة المنتجين، وحصر هذه المنافسة بالجانب السعري دون غيره، في وقت يميل المنافسون حول العالم إلى الاعتماد على جودة المنتجات وخدمات ما بعد البيع، وهما ضعيفان في الأسواق المحلية على نحو واضح..!

تسعير عادل
في العرف التجاري عادة، يحصل البائع على هامش ربح على مبيعاته المستوردة بواقع 15- 20 بالمئة، فالأصل أن تربح الـ10 دولارات مثلاً بين 1.5 – 2 دولار، لا أن تصبح 20-30 دولاراً، ويحكم العرض والطلب اقتصاد السوق حول العالم؛ ما يسهم في خلق التوازن الحقيقي للأسعار وانسياب المواد، ويوفر للمستهلك السعر والجودة المناسبين والبدائل المتاحة للسلع والخدمات. ويراد بالسوق – وفقاً للمادة (2) من قانون المنافسة – الحيز أو المكان الذي يتفاعل به العرض والطلب، والذي يشكل إطاراً للتحليل، ويسلط الضوء على قيود المنافسة التي تواجه الشركات بخصوص السلع أو الخدمات التي تلبي حاجة المستهلك، ويقصد بالمنتجات كل المنتجات التي يعد كل منها بديلاً عن الآخر، أو يمكن أن يحل محله من وجهة نظر متلقي الخدمة أو السلعة.
أحمد العمار