زواياصحيفة البعثمحليات

بين الهدر واللامبادرة!

ذرائعيّةُ الحرب وتداعياتها، والتّلطّي خلف الحصار وارتداداته؛ بدت فاقعةً وممجوجةً، بنظر رئيس الحكومة، في نقاشاتٍ قادها خلال اجتماع نوعيّ، حول استثمار الطّاقة المتجدّدة مع مسؤولي كهربائنا، مُستهجناً وبكثيرٍ من الوضوح والمباشرة محاولات التّعمية على المعوّقات الذّاتية في قطاع الطّاقة المتجدّدة والنّظيفة بالقول: (إنّ بعض الأشياء لا يمكن التّخلّص منها بدسّها تحت طرف السّجادة!)، ليخلُص نهايةً إلى زجّ البيئة التّشريعية التي حالت دون الإقلاع  بمشاريع الطّاقة النّظيفة: في قفص الاتّهام! واعداً بإنجاز تعديلات تشريعيّة جوهريّة؛ خلال أسبوعين على الأكثر؛ تشقّ الطّريق أمام هذا القطاع واستثماراته الحيويّة المنشودة..!.

تعديلات يغدو معها من الضّرورة بمكان الانتقال من حيّز الوعود بالإفادة من الطّاقات البديلة وتوظيفها كحلول استراتيجيّة، إلى حيّز الواقع، نظراً لما تكتنزه بلادنا من مطارح غنية لاستزراع الرّياح، فضلاً عن تمتّعها بميزة الأجواء المشمسة، ناهيك عن عائدها الكهربائيّ النّظيف بمعادله البيئيّ؛ الذي تحرص الكثير من المنظّمات الدّولية على تشجيعه وتقديم المعونات الماليّة لتشييده.

الأمر الذي يضع سلحفاة كهربائنا في مضمار سباق شاقّ، لا تُحسد عليه،  لما يستبطنه هذا القطاع من تناقضاتٍ؛ تبدأ بأكلاف الكهرباء المولّدة وأسعار مبيعها، قياساً بدول الجوار، مروراً بالفاقد الفجائعيّ بشقّيه: الفنّيّ والتّجاريّ.

فاقدٌ كهربائيّ؛ ما لبثت تتوالى أرقامُه المؤلمة، من محافظاتنا كافّة، مُلامسةً في كثير منها نسبة 40% لتصل في بعضها إلى 50% من الطّاقة المُستجرّة، ما يعني بلغة الأرقام: هدراً يُجاوز مئتي مليار ليرة؟!.

الأمر الذي يستوجب مُساءلة مسؤولينا الكهربائيّين المنوط بهم حراسة هذا المنتج الحيوي بالغ الأهميّة في عملية التّنمية بشقيها الخدميّ والاقتصاديّ.

مُساءلةٌ تستحضر وقائع السّطو على الشّبكة العامة –بأعدادها الكبيرة ومحاضرها القليلة الخجولة– من ضعاف نفوسٍ تجرّؤوا عليها إمّا لأغراض منزليّة، أو من أصحاب معامل وورشات في مدن ومناطق صناعيّة، قاموا دونما وازعٍ من ضمير باستجرار الكهرباء بطرق غير مشروعة من خلال السّطو على بعض كابلاتها وخطوطها المغذّية، في حين كشفت بعض الضّبوط عن قيام معامل وفعاليّات صناعيّة بالتّلاعب بالعدّادات، لنخلص إلى نتيجةٍ مفادها: أنّ ثمّة ثقوباً في سلّة الرّدع المعتمدة سوّلت لضعاف النفوس العبور إلى ارتكاب جرم السّرقة والاستهانة بعقابيله..!.

وإذ تتكبّد الدّولة حسب مسؤولينا الكهربائيّين مليارات اللّيرات لدعم شرائح استهلاك الطّاقة، ولاسيّما الدّنيا منها؛ يغدو من المسؤوليّة الوطنيّة بمكان قيام وزارة الكهرباء بإيجاد الآليّات واجتراح الحلول الأكثر نجاعة؛ بما فيها اقتراح مسوّدات قوانين أكثر ردعاً وصرامةً، لضبط الاستجرار غير المشروع للتّيار الكهربائيّ بما يكفل وقف التّعدّي على الشّبكة بما فيه من استنزاف للخزينة وسرقة موصوفة للمال العام.

والحال أنّه لم يعُد مباحاً التّساهل في قمع التّعدّيات على الشّبكة بأرقامها المفجعة!. وإذا ما كانت الحوافز الماديّة على نسبة الضّبوط للقائمين على تسطيرها ستشكّل دافعاً لإحكام القبضة على لصوص الطّاقة؛ فلتكن هذه الحوافز على غرار ما يتمتّع به موظفو الجمارك من عائد ضبوطهم، وبما يُحصّن في النّهاية: الخزينة، ويُرتّق بعض جيوب المال العام المثقوبة، على التّوازي مع اعتماد سلّة ردع؛ تضرب بيدٍ من حديد كلّ من تسوّل له نفسه فتقها.

أيمن علي

aymanali66@hotmail.com