اقتصادصحيفة البعث

الدعم يهدر ملياراً وثلث المليار وإلغاؤه يوفر 200% إصلاح نظام الرواتب والأجور بداية السكة الصحيحة

 

يتجدد الحديث حول الزيادات المرتقبة على نظام الرواتب والأجور مع قرب المناسبات والأعياد وشهر المستحقات المالية المرهقة للمواطنين، كالمدارس والمونة، ويكثر الجدل حول مقدار الزيادة اللازمة لرفع القدرة الشرائية للمواطنين التي لامست خط الفقر بنسبة 80% من السوريين بحسب التقارير الاقتصادية العالمية للعام الماضي. ومع الإشارة إلى تحفظنا على مثل هذه التقارير نظراً لصدورها عن جهات غير رسمية محلية، إلا أنها قد تعطي مؤشراً عاماً عن الوضع الاقتصادي بسورية، وبالتالي على الجهات المعنية أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، إذ بين تقرير منظمة التجارة العالمية انخفاض مستوى الدخول الشهرية في سورية إلى نحو 500 دولار سنوياً، وتصنيفها بالمرتبة الأخيرة مسجلة بذلك انخفاضاً حاداً من المرتبة الثانية وفق التصنيفات العالمية للدخول في فترة ما قبل الأزمة إلى المرتبة الرابعة، ولاشك أن ظروف الأزمة وآثارها تتصدر العوامل المؤدية لذلك، لكن الاستمرار بتنصيبها شماعة يعلق عليها الإخفاق في تحسين الرواتب والأجور يثبت فشل السياسات الاقتصادية والمالية في إصلاح ما يمكن إصلاحه من أسباب مساعدة في الاستمرار بهذا الوضع وصولاً إلى مزيد من الفقر والجوع، ولاسيما أن هناك العديد من الآليات والسياسات فيما لو تم اعتمادها ترتقي بالوضع المعيشي بشكل مباشر، فهل تسعى الحكومة للاستفادة من الوقت المتاح لإصلاح ما ورثته من السياسات الماضية، وتسجيل قفزة نوعية لصالح البلاد والعباد…؟

توطئة لازمة
لاشك أن الحرب وما تبعها من إجراءات وآثار تعتبر من أهم الأسباب التي هبطت بالأجور السورية من المرتبة الثانية إلى الرابعة، إلى جانب ازدياد حجم التهرب الضريبي، مضافاً إليها ما تكبدته الحكومة من أعباءٍ إضافية لتأمين حوامل الطاقة، وإعادة تأهيل وإصلاح البنى التحتية المكلفة والتي أرهقت الخزينة العامة، ما أفقدها القدرة على تمويل كافة الاعتمادات التي ترصدها، وصولاً إلى ترهل واضح في التمويل وإنجاز الأعمال.

هدر وفساد
لاشك أن تدني قيمة العملة الوطنية يعد من أهم الأسباب المباشرة لانخفاض الدخول، إذ تضاعفت قيمة المستوردات بنحو 12 ضعفاً مقارنة لما قبل الأزمة، وبالتالي أصبحت قيمة السلة الغذائية أغلى بـ12 ضعفاً، بينما الدخل ازداد ضعفين على الأكثر؛ ما أدى إلى تدني القيمة الحقيقية للأجر، وأصبح صاحب الأجر غير قادر على تأمين حاجاته اليومية، وهذه الحالة من نتائج الحرب، إلا أن الدكتور علي كنعان أشار إلى إخفاق الحكومة في تبني سياسات اقتصادية أثبتت فشلها، كالدعم والإعانات الذي يشوبه الكثير من الفساد والهدر منذ اعتماده عام 1975 عبر بطاقات التموين وحتى اليوم، عدا عن عدم وصوله إلى مستحقيه، وطرح مثالاً على حجم الفساد الذي تم في عام 2005 لدى تخصيص كل أسرة بشريحة 1000 لتر من مادة المازوت على هيئة دعم، ليتبين لاحقاً بناءً على ما جمع من إيصالات لتوثيق الدعم أن مجموع سكان سورية قارب الـ50 مليون نسمة. مبيناً أن تغيير آلية الدعم لتكون بتخصيص كل أسرة سورية مثلاً بمبلغ مالي متوافق مع عدد أفرادها ويوضع في حساب بنكي خاص بها، مترافقة مع تحرير وتعويم الأسعار والسلع؛ ما يؤدي لإلغاء أية ثغرة لاستغلال الدعم من قبل البعض وبالتالي توفير هدر مالي كبير تتكبده الدولة يحقق زيادة للأجور بمعدل 200% بحسب رأيه دون مبالغة، وبحسبة رياضية صغيرة يتم توفير 350 مليار ليرة المرصودة لدعم الخبز، ومثلها لدعم الكهرباء وغيرها الكثير من المواد الغذائية المدعومة والتي يتم استيراد معظمها حيث تدعم الحكومة من حيث تدري أو لا تدري المستوردين بنحو 175 ليرة سورية وفقاً للفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية إكراماً لهم باسم الدعم، في حين قليلاً ما نجد مادة غذائية مستوردة مسعرة على السعر الرسمي للصرف، وبالتالي فإن بلغت كمية المستوردات 8 مليارات دولار، وتم استيراد نصف الكمية بأسعار مدعومة نستنتج هدر ما يقارب ملياراً وثلث المليار دعماً للمواد الغذائية، في حين أن جميع أسعار المواد المستوردة تفوق الأسعار العالمية، فسعر كيلو الزر وصل إلى 650 ليرة في حين سعره العالمي لا يتعدى 300 ليرة، وكيلو الزيت يباع بـين 600- 750 ليرة للمواطن السوري وسعره العالمي 300 ليرة.

فشل موازٍ
وينسحب الكلام على مشاريع الدعم أو الإعانة الممثلة باستيراد الدجاج والأبقار خلال العامين الماضيين، والتي انتهت معظمها إلى صرف مبالغ مالية كبيرة من الموازنة على استيرداها وفشلت في تشكيل نواة مشاريع اقتصادية منزلية للأسر الريفية، حيث بين أحد الاقتصاديين فشل مشروع استيراد الدجاج المنزلي الذي رصد له مبلغ مليار ليرة تذهب معظمها لصالح المستورد، في حين سيكون مصيره الفشل كمشروع منزلي لارتفاع تكلفة التربية حيث لم يخصص سوى 50 كليو كمقنن علفي له، في حين يلزم المشروع المستفيد منه تأمين علف لمدة لا تقل عن خمسة أشهر من أمواله الخاصة ليبلغ مرحلة الإنتاج، ليكون الأجدى التوجه إلى إقامة مناطق صناعية أو حاضنات أعمال مخدمة بالكهرباء والماء ومستلزمات الإنتاج، وتأهيل الأفراد للبدء بمشاريع صغيرة اقتصادية مضمونة وناجحة، تضمن تقليص مستوى البطالة ورفد السوق المحلية بمنتجات من شأنها زيادة الإنتاج وتقليص نسبة المستوردات.

نظرية كلاسيكية
بالتوازي مع الحلول المطروحة تبرز أهمية معاملة قوة العمل كسلعة وتميزها لتطوير الاقتصاد الوطني كونها ترفع من أهمية الشهادات العلمية والخبرات والاختراعات وتحديد الأجر استناداً إلى سلة الغذاء، بمعنى أن يتم تحديد مقدار الإنفاق الشهري للفرد وتحديد أجره مضافاً إليه الخبرات والكفاءات، وذلك عبر إلغاء العمل بقانون العاملين الموحد الذي حدد أجراً موحداً لكافة العاملين في الدولة. فبالرغم من حل هذه القانون في معظم البلدان، لا يزال مطبقاً في سورية، ويشكل عقبة في تحقيق العدالة في تحديد وتوزيع الرواتب الشهرية وفق الاختصاصات وطبيعة العمل، وفي هذا السياق ركز كنعان على أن إلغاء القانون ومع اعتماد رفع الرواتب والأجور بمعدل 100% لا يضر بالاقتصاد الوطني، فالدولة تعتمد على الإصدار النقدي لتمويل نفقاتها العامة، ولديها عجز سنوي لا يقل عن 1000 مليار، وإذا ما تم زيادة الرواتب فإن هذه الزيادة ستكون داخلية تنموية لأثرها المباشر والذي يضمن زيادة الإنتاج، وليس لها أي أثر تضخمي، مبيناً أن الزيادة يمكن أن يكون لها أثر تضخمي في حال عدم وجود الإنتاج، أما الواقع السوري فقد شهد عودة منشآت اقتصادية إلى الإنتاج حيث سجلت معظم المحافظات عودة منشآت صناعية واقتصادية، وبالتالي فإن الزيادة ستؤدي إلى رفع الطلب على السلع، ومنها زيادة الإنتاج وتحريك السوق المحلية وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة؛ مما يؤدي إلى تحريك عجلة الإنتاج الاقتصادي، على عكس التركيز على العرض وزيادة الإنتاج التي تعمل عليها الحكومة وهي نظرية كلاسيكية تخلت عنها معظم الدول في عام 1929، فزيادة الإنتاج مع ضعف القدرة الشرائية لن تؤدي إلى رفع الطلب في السوق المحلية ولن يحصد التطور الاقتصادي المعيشي الذي تروج له الحكومة.
فاتن شنان