صحيفة البعثمحليات

سهل الغاب.. مشكلات الماضي وصعوبات المستقبل بعد ربع قرن من الزيارات التفقدية.. الحكومة تتساءل: ماذا يريد سهل الغاب؟

حماة – محمد فرحة

لم تكن أرجوحة التفاؤل والتشاؤم أكثر تأرجحاً واضطراباً بقدر ما هي عليه الآن، فبعد ربع قرن من الزيارات الاطلاعية والتفقدية والاستقصائية والاستعراضية تتساءل الحكومة: ماذا يريد سهل الغاب؟

لم يبقَ مزارع هناك إلا وغمره الطمي وتعفر وجهه بالغبار والتراب لإصراره على أن يبقى هذا السهل  الخصب منتجاً ورافداً للاقتصاد الوطني، في ذات الوقت وعلى مدار كل السنين الماضية لم يستوعب من يعنيه الأمر بأن جل ما يحتاج إليه هذا السهل مسألتان، هما: المياه أولاً وعاشراً، والبنية التحية ثانياً لتصريف المياه عند الغمر.

في الاجتماع الذي ترأسه وزير الزراعة قبل أسابيع  قال كما نقل لنا عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة المهندس رفيق عاقل: إنه جاء ليستمع من الأهالي والجهات الرسمية والفلاحية ماذا يريد سهل الغاب من زراعات مستدامة ومن الأمور الفنية الأخرى؟

وحده كان أكثر المتحمسين  شجاعة رئيس الرابطة الفلاحية بالغاب حافظ سالم حين قال في ذاك الاجتماع ما لم يجرؤ على قوله أحد: هل يعقل بعد كل هذه السنين والزيارات الحكومية أن تقولوا لنا ماذا يريد سهل الغاب؟

ماذا فعلت اللجان؟

في لقاء مع رئيس الرابطة الفلاحية حافظ سالم قال: أين نتائج اللجان التي تم تشكيلها قبل سنتين من الآن برئاسة وزير الموارد المائية السابق؟

هل لأحد أن يطلعنا عليها.. لقد قدمنا كل مقترحاتنا بشأن إنعاش سهل الغاب زراعياً وخدمياً منذ عشر سنوات وحتى الآن، ولم نرَ بعضاً منها، لا منشآت صناعية تعنى بالمنتج الزراعي، ولا مشاريع مائية فجميعها متعثرة.

في لقاء قصير مع محافظ حماة الدكتور محمد عبدالله حزوري قال: إذا كنا نريد الاطلاع على أهم ما ناقشه وزير الزراعة في لقائه مع المعنيين في منطقة الغاب فهذا متاح، وموجود لدى عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة رفيق عاقل الذي قال: إن الوزير استمع أكثر مما تحدث، وأن خير ما طرح كان من قبل الرابطة الفلاحية حقيقة، في حين لم يتحدث غيره بل صمتوا واستمعوا له، مشيراً إلى أن متطلبات سهل الغاب بات يدركها أصغر مواطن، وهي تأمين المياه والبنى التحتية، وحال توافرهما يعني ازدهار الأراضي الزراعية وإنعاش الاقتصاد، وبالتالي تحسن واقع حياة المواطنين، وتساءل لماذا لا يتم الاعتماد على الطاقة البديلة ومنح قروض لهذه الغاية للمزارعين، فالغاب منطقة هواء شديد.

وأضاف عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة: أن التمسك بالزراعات التقليدية منذ تجفيف سهل الغاب لم تعد تشكل مردوداً اقتصادياً على المنتجين، فبدؤوا البحث عن زراعات أكثر ريعية وأقل اقتصاداً.

ويقاطعه رئيس الرابطة الفلاحية حافظ سالم قائلاً: إن الحيازات قد تفتتت، ومن كان  يملك عشرة دونمات أمست اليوم دونمين لكل من أولاده، فماذا تعطي فيما لو زرعها بالقمح؟!

زراعات حافظة

ونوه سالم إلى ضرورة البحث عن زراعات حافظة تصون التربة وتحميها، فلم تعد محاصيل الشوندر والقطن من ضمن أولويات المزارعين، بل خرجت من حساباتهم بحثاً عن زراعات مجزية وبعمر قصير، كالنباتات العطرية والدخان والحبة السوداء، فغياب المصادر المائية والتلكؤ بتنفيذ السدات والخزانات منذ عشر سنوات هو مضيعة للوقت، وإرهاق للفلاحين.

وأضاف عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة متسائلاً: أين أسواق تصريف المنتجات الزراعية، فغياب المصدرين فيما لو تم استبدال الزراعات القديمة، ما يترك المجال لتجار سوق الهال وباعة المفرق ليستغلوا المزارعين؟

إلغاء معمل الكونسروة

وبحسرة راح عاقل وسالم يتحدثان عن إلغاء معمل الكونسروة الذي كان مقرراً منذ سنتين حين زار رئيس الحكومة سهل الغاب، فبعدما تم تأمين قطعة أرض بمساحة 20 دونماً في بلدة عين الكروم، فوجئنا قبل أيام بأن وزارتي التجارة الداخلية والاقتصاد تقولان لنا: إنه لا جدوى اقتصادية لهكذا معمل، فتم شطبه.

متسائلين: إذن لماذا تم إقراره وطرحه من قبل الوفد الحكومي أثناء زيارته للمنطقة، رغم أن المنتج الزراعي فيه قيمة مضافة، وهو من أجود أنواع المنتج الزراعي في الوطن العربي، ومع ذلك يتكدس في أسواق الهال ولدى المنتجين ما يلحق بهم الخسائر أكثر الأحيان، وربحاً في بعضه الآخر.

سياحة وآثار

مصادر سياحية في حماة قالت: إن منطقة الغاب يجب أن ينظر إليها نظرة متكاملة ليس زراعياً فحسب، وإنما سياحياً وأثرياً أيضاً؛ ففيها قلعة المضيق ومتحف أفاميا ومدينتها الخالدة وقلعة “أبو قبيس”، فضلاً عن المواقع الاصطيافية كطاحونة الحلاوة ومنتزه “أبو قبيس”.

متسائلة ماذا فعلنا في هذا المجال، ولماذا يغيب عند الحديث عن تطوير منطقة الغاب، وهو موقع جذب في ذات الوقت؟

الخلاصة: سهل الغاب يحتاج إلى مسألتين تشكلان الركيزة الأساسية لكل القضايا الأخرى، وهما المياه والبنى التحتية لزراعة مستدامة حافظة، وكل ما يأتي بعد ذلك هو تحصيل حاصل، فالزمن يمضي وسهل الغاب ينازع بدليل خروج أهم المحاصيل الاستراتيجية منه، كالقطن والشوندر وعباد الشمس وحتى القمح. فسيدة عجوز كانت أول شخص عبرت عما يحتاجه سهل الغاب، في حين عجز عنه المعنيون حين قالت لوزير زراعة سابق: كل ما نريده منكم هو توفير المصادر المائية والباقي علينا، فهل هذه العجوز تحسن قراءة الواقع أكثر من كل المعنيين… يبدو هكذا..