دراساتصحيفة البعث

هل يتم اللقاء بين روحاني و ترامب؟

 

ترجمة وإعداد: لمى عجاج

كان احتمال عقد قمة بين إيران والولايات المتحدة من أكثر النتائج الملفتة لدبلوماسية إيمانويل ماكرون في بياريتز. فقد اختُتمت قمة الدول السبع في السادس والعشرين من آب الفائت في بلدة بياريتز الساحلية الفرنسية وسط عروض غير مسبقة من الوديّة وحسن النيّة، والتي جاءت بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب بأن القمة حقّقت “نجاحاً حقيقياً” وأن “لا أحد يريد أن يغادر”. شكر مضيف القمة الفرنسية الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأمريكي بحرارة على توفير الإمكانيات لـ”شراكة حقيقية” بين البلدين، ولجهوده المبذولة في سبيل تجنّب أي صراعات ومسرحيات درامية كان من شأنها أن تقسّم مجموعة السبع وتُفشل القمة، الأمر الذي كان يُشكّل قلقاً كبيراً بالنسبة للفرنسيين، ولعلّ أبرز ما أثار الدهشة والذهول في ما تمخض عن هذه القمة من نتائج جاء في إعلان ماكرون عن إمكانية عقد اجتماعٍ مباشرٍ بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني، وذلك في “الأسابيع المقبلة” أي في أيلول الجاري، بعد أن نجح الرئيس الفرنسي في ما بدا وكأنه حركة جريئة وذكية عندما دعا محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى بياريتز لحضور اجتماعات خارج مجموعة السبع.
بعد يوم واحد من هذا الإعلان وقف ترامب إلى جانب الرئيس الفرنسي ليؤكد أنه “إذا كانت الظروف مناسبة” فسوف “يوافق بالتأكيد” على مثل هذا الاجتماع قائلاً إن “لديه شعوراً جيداً” وبأن الإيرانيين يريدون الاجتماع لأنهم “متضررون بشدة” نتيجة للعقوبات الأمريكية. عَمِل فريق ماكرون الدبلوماسي لعدة أسابيع على استخدام شتّى الطرق لمحاولة تخفيف التوتر مع إيران، وإيجاد وسيلة للحفاظ على المبادئ المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي تمّ التوقيع عليها في عام 2015 للحدّ من البرنامج النووي الإيراني مقابل الرفع الجزئي للعقوبات، والتي انسحب منها ترامب العام الماضي وشرع في سياسة “أقصى قدر من الضغط” لشلّ الاقتصاد الإيراني.
قبيل ساعات من حديث ترامب في مجموعة السبع أشار روحاني إلى أن إدارته مستعدة أيضاً للحديث، وقال في خطاب له: “إذا علمت أنه من خلال مقابلة شخص ما سيتمّ حل مشكلة بلدي فإني لن أتردّد”. وفي حال تمّ عقد اللقاء المرتقب بين ترامب وروحاني فإنه سيكون الاجتماع الأول بين القادة الأميركيين والإيرانيين منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، فالرئيس روحاني سبق وأن رفض الحديث حتى مع باراك أوباما الذي قضى معظم فترة ولايته الثانية في سعي حثيث ومتواصل نحو علاقات أفضل مع إيران والتي تكلّلت (بمكالمة هاتفية قصيرة بين الرئيسين في عام 2013). وعندما حمل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي رسالة من ترامب للسيد خامنئي خلال زيارته لطهران في هذا الصيف كان جواب السيد خامنئي أن الأمر لا يستحق الردّ، ولاسيما بعد أن صعّد صقور الحرب الأمريكيون خلال الأشهر القليلة الماضية من نار غضبهم على إيران، وأشعلوا فتيل حربٍ محتملة مع إيران بالضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعد أن قاموا بالاستيلاء على ناقلات النفط وتخريبها في الخليج العربي وبعد أن أسقطت كلّ من أمريكا وإيران طائرات من دون طيار.
بصرف النظر عن رمزية القمة إلا أنه من غير الواضح ما الذي يمكن أن يحقّقه الاجتماع بعيداً عن الصفقة التي تمّ التوصل إليها بموجب خطة العمل المشتركة، فإدارة ترامب تتوقع أن تحصل من إيران على وقف عملياتها في تخصيب اليورانيوم (التي تصرّ إيران على أنها ضرورية لإنتاج الوقود لمفاعلات الطاقة النووية).
الآن هناك مقاربات في الأوساط الإيرانية جميعها تستشهد بزعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون الذي التقى ترامب رغم العداء الصارخ بينهما، واستمع الزعيم الكوري الى ترامب ولخطبه الحماسية خلال سلسلة من اللقاءات بين الزعيمين، والتي كان لها مفعول السحر في التخفيف من حدة التوتر الحاصل بينهما، غير أن الأخير لم يقدّم أية تنازلات لأمريكا.
صحيح أن عقد الكثير من الآمال على وقف الحرب المعلنة بين أمريكا وإيران أمرٌ غير مضمون، إلا أن قمة مجموعة السبع قدّمت بعض الاحتمالات لتخفيف الحروب التجارية التي يفرضها ترامب، ومن نتائج القمة أيضاً أن كان هناك اتفاق مبدئي على تخفيف التوترات عبر المحيط الأطلسي تتعلق بفرض ضريبة فرنسية جديدة على عمالقة التكنولوجيا، والتي أثرت بشكل غير متناسب على الشركات الأمريكية، بعد أن انتقد ترامب الشهر الفائت “حماقة” ماكرون ووعد بالانتقام من القيود المفروضة على واردات النبيذ الفرنسي، ليعلن بعدها الرئيس الفرنسي في بياريتز عن اتفاقٍ مع ترامب ستلغي فرنسا بموجبه الضريبة بمجرد وجود معادل دولي، كما سيتمّ حسم الأموال التي تدفعها الشركات إلى فرنسا من التزاماتها بموجب النظام الضريبي وأي مبالغ زائدة سيتمّ سدادها في المستقبل، الاتفاق الذي لم يعترض عليه ترامب. أما في ما يتعلّق بالنزاع الأكبر حول التجارة مع الصين فقد أنهى ترامب أيضاً قمة مجموعة السبع على نحوٍ بنّاء، وبعد أيام من الإعلانات المتبادلة حول التعريفات التجارية والتي دفعت الأسواق إلى التدهور أعلن ترامب أن الصينيين اتصلوا بالأميركيين وأنهم “يريدون فعلاً إبرام صفقة”. وقال ترامب: إن هذه كانت “خطوة إيجابية للغاية” مما ساعد على رفع الأسواق في آسيا وأوروبا، لكن التزام الرئيس الأمريكي بموقفه حيال هذا الاتفاق يبقى أمراً بوسعنا أن نحكم عليه في القادم من الأيام، خاصةً وأن ترامب قام قبل ثلاثة أيام فقط بزيادة الرسوم الجمركية على أكثر من 500 مليار دولار من البضائع الصينية، كما أعلنت أمريكا واليابان عن اتفاق بشأن الخلاف التجاري بينهما لكنهما لم يعطيا سوى القليل من التفاصيل، ورغم أن الخلاف شمل الزراعة والتعريفات الصناعية والتجارة الرقمية إلا أن ترامب بدا سعيداً لأن اليابان ستقدم “الدعم” لمزارعيها لشراء المزيد من الذرة الأمريكية التي تتعرّض للكساد نتيجة النزاع مع الصين. كانت هناك أيضاً خطوات صغيرة للمساعدة في وقف انتشار الحرائق في منطقة الأمازون، بما في ذلك تعهد أعضاء مجموعة السبع بالمساهمة بمبلغ يقدر بـ 20 مليون دولار لتحقيق هذه الغاية، وهو مبلغ زهيد إذا ما قارناه بتصريحات السيد ماكرون التي أشار فيها إلى أن الحرائق ترقى إلى مستوى الأزمة الدولية، لكنه قد يكون مهماً على صعيد الشرارات السياسية الكثيرة والحرائق التي ربما قد يكون نجح في إخمادها وتجنّب حدوثها، فإذا ما قسناها من هذه الزاوية فربما وجدنا لدى الرئيس الفرنسي سبباً وجيهاً للرضا عن عمله.