تحقيقاتصحيفة البعث

انتكاســـــة غذائيـــــــة!

لم تعد جودة المواد الغذائية ضمن أولويات الكثير من الناس الذين باتوا يبحثون عن الأقل سعراً مهما كانت مواصفاته أو أضراره على صحتهم، فقد أصبح ملء البطون الفارغة بأي شيء أكثر أهمية وفائدة من الركض وراء البضائع ذات الأسعار المرتفعة، وطبعاً هذه القناعات ساهمت في تعزيز الغش في الأسواق طالما هناك زبون راغب بشراء المواد الرخيصة، ويتغاضى عن صلاحية مكوناتها.

والشواهد على ذلك كثيرة فأحد الباعة وعبر مكبرات الصوت يعلن عن تنزيلات مغرية للألبان والأجبان التي يحملها في سيارته (السوزوكي)، بحيث يقارب سعر كيلوغرام الجبنة 500 ل.س، واللبنة “ببلاش”، والغريب أن الناس يتهافتون على الشراء دون الاكتراث بصلاحية هذه المواد التي تسقط في امتحان الجودة بمجرد مقارنتها مع مثيلاتها من المواد الجيدة والصالحة للأكل، وللأسف قد نبرر للناس تصرفهم هذا في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن لا يمكن تمرير هذا “الاوكازيون” الغذائي المتكرر في مختلف المناطق دون أية محاسبة أو مساءلة من الجهات التموينية أو الصحية.

لا شك أن الاقتراب من الواقع أكثر وملامسة حقائقه يستوجبان الاعتراف بأنه لم تسلم أية مادة من التزوير والغش، بحيث باتت الشكوك تدور حول غالبية المواد المطروحة في الأسواق على اختلاف موادها، وخاصة أكثرها تأثيراً على حياة المواطن كأسواق المواد الغذائية بشكل عام، واللحوم والألبان بشكل خاص، وعمليات الغش فيها ليست بالأمر السري، وباتت طرقها معروفة لدى الناس، ولا شك أن هذه الحالة تتفاقم لتصبح الممارسات بشتى أنواعها وأشكالها موجودة بالعلن وعلى مرأى الجهات الرقابية، وبشكل يجعل منها قضية من الدرجة الأولى لا تقل أهمية عن القضايا المعنونة بالأمن الغذائي، وسلامة غذاء المواطن، خاصة أن الواقع بكل ما فيه من حقائق مؤلمة يقذف بالكلام المتواصل عن تشديد الرقابة التموينية على هذه الأسواق إلى الزوايا الضيقة.

ومن المؤلم أيضاً أن تتحول الآراء والتكهنات بعدم الجدية في المحاسبة وغياب الرقابة والتقاعس في أداء المهمة الرقابية إلى قناعات ثابتة لدى المواطن، لا تنسف الثقة فقط، بل تهدم كافة أشكال التواصل والتعاون مع هذه الجهات التي تعيش اليوم امتحاناً حقيقياً عنوانه الحفاظ على صحة الناس، وللأسف فإن التشخيص هو الشيء المتوفر والسائد فيما يتعلق بالرقابة، بل هو الحل الوحيد المتوفر على طاولات الجهات المعنية التي تشهد سباقاً في مضمار التحليل والتفسير، وشرح الأسباب، وتفنيد طرق وأساليب الغش، ومن ثم الوصول كالعادة إلى نقطة البداية ذاتها المتمثّلة بعقد المزيد من الاجتماعات، وتكثيف المراسلات مع الجهات الأخرى  لتحديد  العوامل المؤدية إلى تأزم واقع الأسواق، وانتشار الغش فيها، ولكن يبقى هذا الحراك دون نتائج واضحة على أرض الواقع كونه حراكاً معاقاً وعاجزاً عن تطبيق إجراءات حقيقية رادعة بحق الغشاشين الذين يطعمون الناس كل ما يضر بصحتهم ويستنزف أموالهم.

لا شك أن كثرة الأمراض واختلاف حالاتها المنتشرة في الحياة يحيد الإجراءات التي توصف بالاحترازية في الكثير من الأسواق التي تشهد المزيد من الانتكاسات والمفاجآت الممهورة بالفساد وبيع الضمائر، حيث تنتهي القصة دائماً بالتخدير العام دون أن يطال مبضع المساءلة والمحاسبة  أي مخالف!.

بشير فرزان