دراساتصحيفة البعث

سلخ لواء اسكندرون وتقسيم فلسطين.. حقوق الوطن لا تسقط بالتقادم

المستشار رشيد موعد

قاضي محكمة الجنايات سابقاً

يحضرنا، ونحن نتحدث عن لواء اسكندرون، أن التاريخ يعيد نفسه حيث هناك مقاربة بين سلخه ووعد بلفور الذي أعطى أيضاً حقاً ممن لا يملك إلى من لا يستحق.. هكذا كان في فلسطين العربية يوم 2/11/1917، ولاحقاً في اسكندرون في 29/11/1939.

يقول المؤرخ ستيفين لونغريج إن مدينة الاسكندرون هي “الألزاس واللورين السورية”، ويسميها أيضاً المؤرخ الفرنسي لوسيان بترلان “ميونخ الشرق” لجمالها وطبيعتها الخلابة، أما السياسي البريطاني دزرائيلي فيرى أن مصير العالم ستقرره الاسكندرونة لأن قبرص تومئ لها بإصبعها. والحديث عن اسكندرون يقودنا إلى قضية سلخ اللواء عن سورية الأم، ففي 29/11/1939 أعلنت تركيا ضم لواء الاسكندرونة لها وسلخته نهائياً، فكيف جرى ذلك؟.

بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، أقرت تركيا بموجب معاهدة سيفر، 1920 بعروبة الاسكندرونة، وفي عام 1936، اندلعت تظاهرات عمت جميع المدن السورية مطالبة بالاستقلال، وعلى أثرها رضخت فرنسا وعقدت مع سورية معاهدة تتضمن الحرية والاستقلال، بما في ذلك لواء اسكندرون، ولكن تركيا رفضت إبقاء اللواء ضمن الدولة السورية وطالبت بتحويله إلى دولة مستقلة، ونتيجة ذلك رفعت القضية إلى عصبة الأمم التي أرسلت لجنة مؤلفة من 3 مراقبين دوليين إلى أنطاليا، قدمت اللجنة تقريرها بأن الأغلبية العظمى من السكان هم عرب سوريون، وأن الأتراك لا يشكّلون إلّا نسبة ضئيلة، والسكان العرب يعارضون انضمام اللواء إلى تركيا، وفي عام 1937، اتفقت فرنسا وتركيا على جعل اللواء منطقة مستقلة ذاتياً في نطاق الوحدة السورية، وفي هذه الأثناء، يوم جاء دور فرنسا للتنازل عن لواء اسكندرونة، قدمت تركيا “مطالب” بفصل اللواء عن سورية، وهددت باستخدام القوة إذا لم يتم هذا الفصل.

بعدها اقتحمت القوات التركية لواء الاسكندرون، وأجبرت معظم أهله على النزوح، في أواخر 1939، إلى مدن سورية مختلفة حاملين معهم أمل العودة، فسلخ اللواء جاء بمؤامرة وتواطؤ أممي وتزوير وتزييف للحقائق والواقع.

ويضم لواء اسكندرون كلاً من مدن: انطاكية وهي مركز انتشار الديانة المسيحية إلى العالم، واسكندرون، وأرسوز، والريحانية، والسويدية.

لقد تم سلخ قطعة غالية وعزيزة على قلوبنا عن أرض سورية نتيجة مؤامرة وتواطؤ وتزوير للحقائق بين فرنسا وتركيا من جراء استفتاء مزور ومزيف قامت به فرنسا لتسهيل انتقال هذا اللواء إلى تركيا، وجرى ذلك دون موافقة عصبة الأمم آنذاك، ولايزال احتلال لواء الاسكندرون وسلخه عن وطنه الأم سورية في القانون الدولي عملاً غير مشروع، لأنه اعتمد على القوة والخداع والتزوير.

وكما ذكرنا سابقاً، فإن سلخ لواء اسكندرون كقرار سلب واغتصاب لحق الشعب العربي السوري في أرضه وثرواته، يستدعي ضرورة استحضار قرار آخر ابتليت به الأمة العربية ويتعلق باحتلال الصهاينة لفلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، وهو قرار كان سابقاً بسنوات على قرار سلخ اللواء.

البداية كانت من وعد بلفور الصادر في 1917، وصولاً إلى قرار تقسيم فلسطين، وذلك بعد جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الثانية، عام 1947، حول القضية الفلسطينية، حيث صدر القرار 181 لعام 1947، وقد تحول اليوم الذي صدر فيه هذا القرار، أي يوم 29/11، من كل عام إلى يوم للتضامن مع الشعب العربي الفلسطيني الذي اغتصبت أرضه وسلبت حقوقه وشرد من دياره. وقد عارض الشعب العربي الفلسطيني صاحب الحق في الأرض هذا القرار الذي جاء خرقاً لأحكام المادتين 1 و73 من ميثاق الأمم المتحدة، فقد حرم الشعب العربي الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وأساء إلى مصالح الشعب بفرض قرار عليه بتقسيم وطنه، لذا يعد قرار التقسيم من الوجهة القانونية باطلاً بطلاناً مطلقاً.

من الناحية القانونية الدولية فإن قرار التقسيم مشوب بالبطلان المطلق لأنه يشكّل تجاوزاً لصلاحيات منظمة الأمم المتحدة، ففلسطين وضعت تحت الانتداب البريطاني بموجب صك انتداب أقرته عصبة الأمم آنذاك عام 1922، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية حلت هيئة الأمم المتحدة محل عصبة الأمم، وأوجدت نظام الوصاية بدل الانتداب، وصك الانتداب كان يتضمن عدداً من الحلول منها: إنهاء الانتداب لإقامة حكومة مستقلة في فلسطين كما جرى في كل من سورية ولبنان والعراق والأردن، وكان أيضاً بإمكان الأمم المتحدة أن تقنع بريطانيا بالاستمرار بالانتداب سنوات إضافية، أو إخضاع فلسطين إلى نظام الوصاية الدولية تحت إدارة هيئة الأمم المتحدة، لكن الأمم المتحدة فضلت اليهود على العرب فجاء قرارها مخالفاً للمادة الخامسة من صك الانتداب التي تحظر التنازل عن أراض فلسطينية أو تأجيرها أو وضعها تحت رقابة أية سلطة أجنبية، وإخلالاً بنصوص الميثاق الأممي، فقرار تقسيم فلسطين يتناقض مع أحكام المادتين 10 و14 من الميثاق اللتين تخولان الجمعية العامة حق إصدار التوصيات من دون اتخاذ قرارات، والجمعية العامة للأمم المتحدة كان من واجبها لدى عرض القضية عليها أن تلجأ إلى إجراء استفتاء لمعرفة رغبات الأكثرية من الشعب العربي الفلسطيني، وكان بإمكانها أيضاً التجاوب مع الاقتراح الذي طالب باستشارة محكمة العدل الدولية في هذا الموضوع، لكنها لم تفعل، وتهربت وتنصلت.

وفي 11/5/1949، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 273 على قبول هذا الكيان في عضوية هذه المنظمة “كدولة مستقلة” بعد أن دعمت طلبها الولايات المتحدة الأمريكية باستعمال أساليب الترغيب والترهيب.

إن اعتراف الأمم المتحدة بالكيان الصهيوني، بلا دستور وبلا حدود له، يعد في حد ذاته جريمة بحق القانون الدولي، فالحدود والدستور ركنان أساسيان من أركان أية دولة في شرعة الأمم المتحدة، لأن هذه المنظمة تشكّل الهيئة العليا للقانون الدولي، ويعد ميثاقها بمثابة النص الذي يحدد الخطوط العريضة لهذا القانون الذي يتعين على جميع الدول الالتزام به، وتؤكد المادة الأولى من هذا الميثاق احترام مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، أما المادة 73 منه فهي تتعلق بالدول التي لم تحقق استقلالها بعد، وتعطى الأولوية لمصالح هذه البلدان.

حين اعترفت هيئة الأمم المتحدة بالكيان الصهيوني “كدولة”، اشترطت عليها لقاء ذلك تنفيذ قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، وقرار إعادة اللاجئين رقم 194 لعام 1948، فكانت “إسرائيل” بذلك الكيان الوحيد في العالم الذي قبل في العضوية بشرط، لكنها ورغم وجودها اللاشرعي، لم تتقيد بتنفيذ هذين القرارين فأصبحت خارجة على القانون الدولي.