ثقافةصحيفة البعث

مهرجان المحبة والشعر بين قدسية الشهادة وتبعات الحرب

 

“ليبقى الوطن” نقطة لقاء الشعراء في مهرجان المحبة والشعر الثاني في يومه الثاني الذي أقيم في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بمشاركة عدد من الشعراء بإشراف الشاعر نبراس عربان، واستهل أغلب المشاركين قصائدهم بتحية إلى دمشق الخالدة، وقد التزمت أغلب القصائد بالشعر العمودي والقافية مع حضور قصيدة النثر والتفعيلة، ودارت المضامين حول الحرب والخلود للوطن وتوظيف التغزل بالتغني بالوطن في مواضع.
تغنى الشاعر فرحان الخطيب بالشام فرأى بأنه لا وصف لها في حكايات الزمن فهي”صور تسطع في الأساطير القديمة، سيدة العرائس والمدائن والجنان” ويعود إلى التأكيد باستخدام أسلوب التوكيد اللفظي بالتكرار على الخلاص من الحرب “لابد من تفسير هذه الظلمات، ولابد من سفن تحمل فوقها العفونة والحرائق والسواد” ليصل في قفلة القصيدة إلى الخلاصة “ستظل أشرس في مواجهة الخناجر”.
كما قرأ فرحان قصيدة قلادة باحت بعشقه للمحبوبة التي شبهها بالظبي ووصف حركاتها وانثناءاتها في غرفتها مركزاً على اللون الأزرق الذي يدل على السكينة والهدوء، وربما تبادرت إلى مخيلته صورة الستائر الزرقاء في رواية تحت ظلال الزيزفون “عندما تستيقظين الصبح ظبياً يتثنى/ وستار الليل ولّى واستحال الضوء في غرفتك الزرقاء ريحاناً وفلا..”
وحضرت الشام أيضاً في مفردات عيسى عيسى، وعلى وقع نغمات العود للعازف يوسف سويدان لأغنية موطني فوصفها بأم البلاد “ثغور المجد حسن من وداك/وحرف الحب جذر في بلادي. ويعزز انتصارات سورية عبْر حقب التاريخ بقوله:
شهدنا مصرع الأوطان غدراً/ويبقى مرفوع الرأس
وتبدو جمالية انتقاء مفرداته بتناغمها وبجرسها الموسيقي والتزامه بالقافية بقصيدته الغزلية دق باب الورد التي بُنيت من عطر الورد الفواح الذي ارتبط بالمحبوبة:
دق باب الورد صبحاً في تقى/حين بان الحسن همساً قد رقى/ساحر طرف النهى.. لكنه/عدّه للروح جمالاً ونقا.
أما خلود قدورة فكانت تجربتها مع الحب مختلفة إذ رأت أمواج البحر تتلاطم بين مدّ وجزر فتداعت إلى مخيلتها ذكرى حب الأمس وكأنها تقف على الأطلال على غرار الأقدمين:
كل القصائد صارت محض ثرثرة/زرقاء ترقص في أنات مبتهل
ومن الأمواج تدخل إلى الصورة الحسية والإشارة بالتورية إلى المحاورة
مرّت أصابعك الولهى تحاورني/وتنسج الليل موالاً على خصلي
لتخبرنا في نهاية القصيدة عن خيبتها حينما خذلها الحبيب:
ياللأسى.. يا لخذلان اللقاء بنا/ماكنت إلا سراباً شيّق القبل
وضمن مشهدية الحب بقيت لتلون بقصائدها صورة أخرى تعبّر عن غيرة المرأة بمبالغة اتبعت بالشعر:
سأقتلهن جميعاً جميعاً/وأبني لعينيك حصناً منيعا
وتصرح بمباشرة بتكرار مفردة لكن “أغار عليك.. وأفقد عقلي” فتعيد إلى الأذهان صورة البيت الشهير ليزيد بن معاوية
“أغار عليها من أبيها وأمها”
المنعطف في المهرجان كان بمشاركة الشاعر سليمان السلمان بقصائد متنوعة بالمضامين، منها غام انتظارك عبّرت عن قدسية الشهادة وطالت وصف المخربين، بدأها بآلام الفقد
غام انتظارك/والمسافات انتهت
ليدخل بمراحل الحرب الإرهابية وتضليل المخربين معتمداً على الجناس في توافق الحروف واختلاف المعنى:
أدعية اللحى جاءتك من خلف الحدود/الطالعين من الجفاف إلى الضفاف/من الجِمال إلى الجَمال/يركضون إلى الضلال/حولهم يحيا الجحود
ويلجأ إلى الاقتباس الديني “فبأي آلاء ربكما تكذبان” في مواضع “فبأي آلاء تتحدث” وينهي القصيدة بمخاطبة الشهيد:
احضن سلاحك/من أجل أن تحيا شهيد
واختزل عزام سعيد عيسى في قصيدته المهداة إلى أرواح شهداء مشفى الكندي في حلب “أسطورة الكندي” التعايش الديني في سورية بين الأديان وجميع الطوائف بذكر الإنجيل والقرآن والحسين، ويعود لقراءة التاريخ فيرى أن “أيار يزهر مرة أخرى، بمشانق العثمانيين”. واستخدم عنوان ثورة بمعنى مغاير ليكون ثورة بالحب في قصيدة أخرى:
لماذا/ألملم من شفتيك/بريد انتهائي/وأنت تقودين/ضدي/القبيلة كل مساء؟
وقرأ الشاعر وائل الحميد قصائد عدة منها مطولة مدينتنا، وتوقف عند قصيدة مرآة التي يستحضر من خلالها تاريخ مقاومة سورية، ليصل إلى:
فليفنى كل شيء/وليبقى الوطن
وعمل عبد الحميد ملحم على جمالية التضمين بالإيحاء بالمعاني الدينية وقدسية الشام:
طف بأرض النور واسجد واقترب/إنها الشام لها الحج يجب
ليصل إلى
كعبة الرب دمشق لم تزل/ وسراج الله عنها لم يغب
وعلى غرار الأقدمين استهل القصيدة بالتغزل وصولاً إلى المعنى المراد والمغزى، بقصيدته بليل عينيك فمن ليل العيون والثغر المعسول إلى:
ما أنت إلا للجمال مواطن شاء المقدر أن تكون بلادي.
واقترب الشعر من يوميات المجتمع بأسلوب الإضحاك الشعري بالتعبير عن معاناة رفع الأسعار وتجار الأزمات كما في قصيدة سلمان ”نصف الراتب”، لتلتقي مع قصيدة عيسى عيسى عن البرد وعدم توافر المحروقات نتيجة الحرب الإرهابية، ومع وائل الحميد وتضمين قصيدته التغزل بجرة الغاز، ترافق الشعر مع نغمات العازف على العود يوسف سويدان ألحان موسيقا الزمن الجميل ومقتطفات من الفيروزيات وبعض الأغنيات الوطنية، وبمشاركته بإلقاء قصائد قصيرة تمجد الوطن.
ملده شويكاني