دراساتصحيفة البعث

بومبيو يتبجح في ميونخ!

ترجمة: علاء العطار
عن “ذي أميريكان كونزيرفاتيف” 15/2/2020
ألقى مايك بومبيو خطاباً آخر في ميونخ يملؤه غطرسة جوفاء، أعلن فيه أن “الغرب ينتصر”، وانتقد بومبيو، في جزء من خطابه الذي يظهر نفاقه وعبثيته بوضوح شديد، ما وصفه بانتهاكات الدول الأخرى للسيادة، فقال: “لاحظوا أهمية ذلك، تكمن أهميته في أن الاعتداءات على السيادة تزعزع الاستقرار، كما أنها تؤدي إلى التبعية، بل إن الاعتداءات على السيادة هي اعتداءات فعلية على الحرية ذاتها التي تمثل المُثل الغربية”.
يحب المسؤولون الأمريكيون التحدث عن أهمية السيادة بقدر متعتهم في سحق سيادة الدول الأخرى، وتكمن المشكلة في حديث بومبيو عن السيادة في أن الولايات المتحدة لا تحترم سيادة كثير من البلدان، ويمكن توجيه كل الانتقادات التي وجّهها لآخرين لانتقاد الولايات المتحدة نفسها، إذ تنتهك الولايات المتحدة يومياً السيادة السورية بوجودها العسكري غير الشرعي، كما لا زالت القوات الأمريكية موجودة في العراق خلافاً لرغبة الحكومة العراقية، ونفّذ الجيش الأمريكي مراراً هجمات داخل العراق بالرغم من اعتراض الحكومة العراقية، وهذا في الشهرين السابقين وحسب، وتحترم إدارة ترامب السيادة والاندماج الإقليمي حتى إنّها أيّدت ضم “إسرائيل” غير الشرعي للجولان السوري وأعطتها الضوء الأخضر لمزيد من عمليات الضمّ في المستقبل، ليس ذلك فحسب، بل إنها تدعم التوغل التركي غير المشروع في سورية.
حين ننظر للماضي في سجل الولايات المتحدة وحلفائها وكيف تصرفوا خلال الثلاثين عاماً الماضية، لا نلحظ أبداً أي احترام لسيادة الدول، بل العكس، إذ كان هناك سلسلة من الحروب غير المشروعة وغير الضرورية التي شنّتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، إما للإطاحة بحكومة أجنبية، أو للانحياز لطرف في صراع داخلي، أو للسببين معاً، ولكان العالم أفضل حالاً من دونها، وأحدث سجل لنا لا يدعو للافتخار، ومن المعهود أن يحتفل بومبيو بنجاحات لم تحدث، وإذ قال: “الغرب ينتصر”، فما الذي كسبناه بالتحديد؟!. لا تزال الولايات المتحدة تنخرط في صراعات غير منهجية كثيرة، كما أن علاقاتنا بأهم حلفائنا أكثر توتراً، فإن كان “الغرب ينتصر”، فكيف يبدو الفشل المتكرر إذن؟!.
تدور الفكرة الرئيسية في خطاب بومبيو حول دحض انتقاد الحلفاء لطريقة إدارة الولايات المتحدة لسياستها الخارجية، لكن كثيراً من الأوروبيين ليس مطمئناً للهجته التهويلية المتغطرسة، وهي لا تصبّ في مصلحته عندما يتهم كثيراً من الحلفاء بالحمق والسذاجة، قال بومبيو: “حين يلعب من يسمّون أنفسهم المعتدلين الإيرانيين دور الضحية، تذكروا عمليات الاغتيال والإرهاب التي يمارسونها بحق المدنيين الإيرانيين الأبرياء، وهنا على الأراضي الأوروبية. وعندما تقترح روسيا أن خط نورد ستريم 2 ليس إلا مسعى تجارياً بحتاً، لا تجعلن ذلك يخدعكم، فتأمل الحرمان الذي حدث في شتاء أعوام 2006 و2008 و2009 و2015. وحين يظهر مديرو هواوي التنفيذيون على عتبة بيتك ليقولوا: إنك ستخسر إذا ما ابتعت منا، فلا تصدقنّ هذه الدعاية”.
ومن نافل القول إن لكثير من حلفائنا الأوروبيين وجهات نظر مختلفة عنا في كل هذه المسائل، وانتقاد موقفهم لن يدفعهم إلى الموافقة على مطالب إدارة ترامب غير المنطقية. يريد بومبيو الدفاع عن فضائل السيادة، لكن حالما يتخذ حلفاؤنا قراراً لا يروق له ولترامب، يوبخهم جميعاً. إن احترام سيادة الدول واستقلالها يشمل احترام حقها في اتخاذ القرارات في سياسة لا تحبها حكومتنا، وبالطبع، يفضّل بومبيو أن يتصرف حلفاؤنا كخدم، ويتوقع أن يطيعه الشركاء الآخرون كما لو أنهم مستعمرات، وخلف كل هذا الخطاب عن السيادة هناك رغبة جليّة في إملاء الشروط وإجبار الآخرين على إطاعة أوامر الإدارة.