رأيصحيفة البعث

الحرب الوطنية الكبرى

بكل المعايير والمواصفات، المعروفة والمعتمدة، هذه حرب وطنية كبرى، بل إنها تحديداً “الحرب الوطنية الكبرى” – بمعناها ومغزاها المحدّد والشامل- بعد أن خلع أردوغان كل الأقنعة، وأعلن رسمياً حربه لتحقيق مشروعه الاحتلالي المشابه والمرتبط عضوياً بالاحتلال الصهيوني – وهو ما يفسّر تزامن عدوانيهما أحياناً – والمرتكز على خلفية سلطانية عثمانية توسعية إخوانية الهوى يغذّيها حقد شخصي خالص خال من السياسة بمعناها الوطني، وتغلب فيه “نزعة الانتقام والمكابرة والعصبية العثمانية على أي تفكير استراتيجي هادئ”، وهو حقد يجعل من أسئلة عدة، تدور في الداخل التركي، أسئلة نافلة لا مكان لها في قاموسه، ومثالها السؤال حول مبررات “رمي أبنائنا” في محرقة إدلب دفاعاً عن “جبهة النصرة” وأشقائها في الإرهاب، أو السؤال حول جدوى الحرب مع جار لم يبادر بالعدوان يوماً، بل طالما مد يد الصداقة لتركيا، وكان بوابتها الجنوبية للانفتاح، والاندماج، على المنطقة وقضايا شعوبها الحقيقية وأسئلة تنميتها وتقدّمها المحقّة والعاجلة.
وبالطبع يمكن للبعض المساجلة حول دواعي أردوغان للانخراط بها، وخاصة ما يعلنه حول ضرورتها لحماية الأمن القومي لتركيا، لكن الحقيقة الواضحة أمام الجميع تتمثّل بأن الرجل الذي حرق جميع مراكبه الداخلية والخارجية، هو من عرّض أمن تركيا القومي للخطر على مذبح أطماعه الشخصية، وهو أول من يعرف أن هذه الحرب لن تكون محطة فاصلة بين مرحلتين إقليميتين ودوليتين فقط، بل ستكون محطته النهائية، بذلك نفهم تهرّبه المتواصل من قمة ثلاثية على مستوى “أستانا”، الذي انعقد على أرضية وحدة الأراضي السورية واستقلالها، لصالح قمة رباعية تشارك فيها فرنسا وألمانيا، محاولاً بذلك الاستقواء بهما على الروسي، أو قمة ثنائية مع الروسي، بعد أن يكون قد غيّر المعادلات الجغرافية على الأرض، لتحييده أو لتغيير بنود “سوتشي”، الذي لا يتضمّن ما ينص “على حماية الإرهابيين”، كما أعلمه الروس، كما نفهم استنجاده المذل بالناتو تارة وبالأمريكي تارة أخرى، ومحاولاته المستميتة لجر أوروبا، العاجزة لأسباب موضوعية واضحة، مبتزاً بورقة المهجّرين، إلى محرقة إدلب.
هي “الحرب الوطنية” إذاً، بما تعنيه وتتطلّبه من فرز طبيعي بين وطني وعميل، ليس على مستوى سورية فقط، بل على مستوى المنطقة بأكملها، وضمنها العرب، جميعاً، الذين كان سقوط سورية عام 1516 تحت ضربات المشروع ذاته بصيغته الأصلية، مقدّمة لسقوطهم جميعاً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تحت احتلال غاشم خرجوا منه بعد أربعة قرون محطّمين ومقسّمين جغرافياً ومذهبياً، وقد فاتهم قطار التاريخ الذي مازالوا يحاولون اللحاق بعرباته المندفعة بسرعة بالغة حتى اليوم.
بهذا المعنى تكون سورية، كما كانت حينها وكما هي دائماً، حصنهم الشمالي المتقدّم في وجه الغزوات، وأس أمنهم القومي الذي يجهلونه، ويضيّعونه، بطريقة عجيبة، وهذا ما تفصح عنه محاولتهم المستجدة للهروب من استحقاق دوري لقمة عربية كي لا يناقشوه مجرد نقاش.
وبهذا المعنى أيضاً هي حربنا الوطنية الكبرى لأنها تُخاض ضد كل المشاريع الخارجية المتمثّلة في ثنائية الإركاع والاستتباع – بات واضحاً للجميع أن إدلب، برمزيتها الحالية لكل الأطراف، ستكون محوراً لمجمل التطورات الإقليمية والدولية القادمة – وكل عودة للسيادة السورية على قطعة أرض جديدة هي ضرب لها، فهنا تُهزم مخططات التركي وأطماعه، وهنا يقال “للإسرائيلي” بوضوح تام: إن سورية عائدة إلى دورها ومكانها، وهنا يعرف الأمريكي جيداً أنه سيكون ما بعدها أمام استحقاق الجواب على سؤال شرقي الفرات وخططه الانفصالية هناك، وهو سؤال يستهدف، بالمحصلة، وجوده ودوره في المنطقة بأكملها.
خلاصة القول: هي “الحرب الوطنية” المؤجّلة منذ زمن طويل والتي يجب علينا، كسوريين، كسبها، مهما كانت التضحيات، من أجل خلاصنا وخلاص المنطقة بأكملها، والواقع الموضوعي لمصلحتنا، وإذا كانت بيئة الحرب العالمية الأولى أدّت إلى نهاية الرجل المريض، فستؤدي هذه “الحرب”، بعزائم الرجال أولاً، وبيئتها الدولية ثانياً، إلى نهاية “المريض الجديد”، والصراع مستمر..
أحمد حسن