ثقافةصحيفة البعث

فــــي عـــــــــــــــيـــــــــــــــــــــــد الــــــــمــــــــعـــــــــــــــــلــــــــم كنينة دياب: معلمة.. كاتبة.. طالبة

قبل أن تكون كاتبة عملت في سلك التعليم لسنوات طويلة، ومن خلال تعاملها مع الأطفال والطلاب بدأت تكتب بكل محبة وغزارة وكانا الوحي الأهم لكتاباتها عندما دخلت مجال الأدب، وفي سن السبعين كانت أول امرأة في سورية والوطن العربي تعود لمقاعد الدراسة في هذا العمر.
إلى أية درجة أنصفت الكتابات الأدبية المعلم؟
ما كُتب عن المعلم ظل قليلاً بالمقارنة مع ما يبذله من جهد ورعاية لتربية الأجيال والمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقه في تنشئة وتثقيف وتحفيز الطلبة على حب التعلم والعلم والبحث والتميز، ومهنة التعليم هي تأسيس لبناء ركائز رجال ونساء الدولة الذين يستلمون المناصب العليا لإدارة شؤون الوطن، لكنهم لا ينالون مقابل هذا الجهد إلا القليل من حقوقهم المادية والأدبية والمعنوية.
كنتِ تعملين في سلك التعليم فكيف انعكس ذلك على كتاباتك، ولاسيّما الموجهة منها للأطفال؟
منذ أن كنت طفلة كنت أحب الأطفال وأتعامل معهم بعناية وحنان الأم وكأنني أم صغيرة، وعندما دخلت سلك التعليم بدأت مع طالبات في المرحلة الإعدادية والثانوية، وعندما عملتُ في تدريس معهد إعداد المدرسين وصرنا نجول على المدارس من أجل الدروس التطبيقية والنموذجية كان عملنا مع المرحلة الابتدائية وهي مرحلة بناء تربوي تعليمي وتثقيفي للأطفال لأنني مدرّسة لغة إنكليزية وكنا نهتم بالأسلوب المهذب والنشاط واللفظ، وكانت تحدث مواقف طريفة مع التلاميذ وكنت أتعامل معها بمرح ومحبة، وعندما صار عندي ولدان صرت أراقبهما كيف يلعبان مع الأصدقاء والزملاء في المدرسة والحديقة، وبدأت أكتب بكل محبة وغزارة وكانا الوحي الأهم لكتاباتي.
عاصرتِ مراحل عديدة من مراحل التعليم بسورية، فماذا تقولين عن هذه المراحل؟
**حين كنا تلاميذ كنا نقدس المعلم ونعتبره واحداً من الملائكة على الأرض.. كنا نخجل كثيراً لو لم نكتب واجبنا أو إذا غضب المعلم من أي واحد منا، وكان التعليم بكل جوانبه إنسانياً ورائعاً.. عندما عملت مدرّسة كنت أتعامل مع طالباتي وطلابي بكل المحبة، وكنت أقابَل منهم بنفس الشعور، وهذا كان يحثهم على المثابرة والدراسة، وكانت علامات الشعب الفصلية التي أدرّسها متميزة رغم استهزاء بعض الزملاء بأنني أدلّع طلابي ولن يفلحوا، لكنهم أثبتوا جدارتهم، وهم الآن مربون رائعون يتفاخرون بأنهم اتبعوا أسلوبي ذاته.. اليوم أسلوب الأساتذة مع الطلاب اختلف كثيراً.. كان الأهل إن تدخلوا فلتقويم أبنائهم، أما الآن فلإهانة المعلم للأسف مما زاد في استهتار الجيل بالتعليم وعدم احترام الأستاذ.
أنتِ أول امرأة في سورية والوطن العربي تعود لمقاعد الدراسة في عمر السبعين.. حدثينا عن تجربتك كطالبة في هذا العمر؟
**تقدمت ابنتي لدراسة الإعلام في التعليم المفتوح في جامعة دمشق، فتقدمت معها، وتابعنا الدراسة معاً, إلا أنها في السنة الثانية تحولت لدراسة اللغات وبقيت أنا وتابعت وتخرجت في الدورة التكميلية من العام 2018 دون توقف وبمعدل 69% ومن خلال البحث عرفتُ أنني أكبر خريجة جامعية في سورية والوطن العربي.. كان الهدف الأساس نوعا من التحدي لي أنا نفسي، التحدي لمدى صبري على المتابعة وحضور المحاضرات والعودة لمقاعد الدراسة والكتب وتقديم الامتحانات، وحين رجعت إلى مقاعد الدراسة رجعت طالبة لبقة تحترم معلميها من الدكاترة، وكما تربيت تابعت وربما بمحبة واحترام أكبر، وأشير إلى أن وجودي على مقاعد الدراسة في الجامعة كان من ضمن أهدافه كتابة قصة عن حياة الطلاب والعلاقات الجامعية بين بعضهم ومع الأساتذة.. الحقيقة هناك أمور مؤلمة في جامعاتنا لعلني سأرويها في قصصي القادمة.
من هو أهم من كتب عن المعلم برأيك؟ وما أجمل ما قيل فيه؟
أحمد شوقي عندما قال: قم للمعلم وفّه التّبجيلا/كاد المعلّم أن يكون رسولا.. والإمام الشافعي عندما قال: اصبر على مرّ الجفا من معلّمٍ/فإنّ رسوب العلم في نفراته/ومن لم يذق مرّ التعلم ساعةً/تجرّع نلَّ الجهل طول حياته/ومن فاته التعليم وقت شبابه/فكبر عليه أربعاً لوفاته.. ومحمد مهدي الجواهري عندما قال: عن واهبين حياتهم، ما استعبِدوا للشاكرين، ولم يذمّوا الجاحدا.. وفائز يعقوب الحمداني عندما قال: كل صباح ومعلمنا/يرسم في أوجهنا قهوته المرّة/يزرع فينا أعباء السنوات الخمسين/في درس الرسم يقول/يا ولدي القهوة لون مزاج/أسكبه على الأوراق فقد/تُبصر حلماً.. وعمارة بن صالح عبد المالك عندما قال: أعطوا المعلم أضعافاً مضاعفةً/إن المعلم في إملاقه واحِلُ/أحرى بهذا المُربّي أن يُعادَ له/بعض اعتبارٍ وبعض العزّة الزّائلُ.
وتؤكد دياب أن المعلم في العالم العربي مهضوم الحقوق ويبقى محشوراً بين سندان التلاميذ ووزارات التربية والتعليم.

أمينة عباس