سلايد الجريدةصحيفة البعثمحليات

سوق الهال ليس ببال أحد.. و”حماية المستهلك” تحت تأثير المخدر!

لن يكون الحديث عن ارتفاع أسعار الخضار والفواكه جديداً، ولكنه يبقى حديث الشارع اليومي في ظل جشع وطمع التّجار وتقاذف الاتهامات ورمي الكرة في ملعب الآخر، ليبقى المواطن حائراً ومتسائلاً: أين المشكلة؟ ومن المسؤول عن تلك الارتفاعات الجنونية؟ وما هي أوجه ظلم المزارع؟

أسئلة تدور في أذهان المواطنين على مدار الساعة، ولا  إجابات عنها نتيجة تعدّد الجهات وكثرة الحلقات، وأهمها التاجر الذي يسيطر الربح على تفكيره بغض النظر عن الطريقة أو الأسلوب!

استقصاء 

“البعث” زارت سوق الهال بدمشق واستقصت الأسعار والتقت المستهلك والتاجر والمزارع، ليؤكد أغلب المزارعين أنهم يقعون في مصيدة التّجار نتيجة استغلال حاجة الفلاحين واضطرارهم لتصريف محاصيلهم بأي شكل من الأشكال لئلا يكون مصيره التلف. ويصف المزارعون الوضع التسويقي في سوق الهال بالمزري، ولاسيما أنهم يبيعون منتجاتهم بأسعار منخفضة، إلا أن التّجار تصل أرباحهم إلى نسبة 300%.

ويتفق بائعو المفرق مع كلام المزارعين، لافتين إلى جشع التّجار وتحكمهم بالسوق والأسعار، حيث يضطر بائع المفرق للخضوع لهيمنة التّجار، ولاسيما أنهم يتحكمون بأرزاق الفلاحين ويبيعون بأسعار تزيد عن 3 أضعاف ما يشترونه من الفلاح ليصل إلى المستهلك بأضعاف مضاعفة. وما لفت الانتباه، لدى سؤالنا بعض بائعي المفرق عن عدم وجود فواتير عند شرائهم من التّجار في السوق، أن هناك اتفاقاً بين جميع التّجار بعدم تصدير ومنح الفواتير، وعندما تجرأنا وطلبنا من أحد التّجار فاتورة كدنا نتعرض للتوبيخ، أو بما معناه بالعامية “عجبك عجبك ما عجبك لا تشتري!”.

وهذا يشمل أغلب المحاصيل والمنتجات الزراعية دون أي اعتبار لتسعيرة أو تعرفة، إن كانت موجودة أصلاً، لأن سوق الهال خارج الرقابة التموينية التي تطبّق فقط على بائع المفرّق، أما حيتان السوق فلا تطالهم يد الرقابة التموينية، حسب كلام بائعي المفرق.

استطعنا أن نحظى بفاتورة من أحد البائعين في السوق، حيث كتب عليها سعر كيلو البطاطا 300 ليرة سورية، ولكنه تقاضى من بائع المفرق 310 ليرة للكيلو الواحد، وعند الاستفسار عن السبب، أوضح التاجر أن تسعيرة الكيلو حسب الرقابة 300 ليرة، لذلك لا يستطيع كتابة الفاتورة بزيادة عن هذا المبلغ، ليوضح بائع المفرق أنه سيحاسب من قبل التموين بناء على هذه الفاتورة، في حال البيع بأسعار مرتفعة، ولأن الرقابة لا تعترف إلا على الفواتير.

تحرك فاعل

وشدّد المزارعون وبائعو المفرق على ضرورة تنظيم سوق الهال ومتابعته مع تحرك فاعل للجهات المعنية، وخاصة مديرية حماية المستهلك لضبط الأسعار، بما يساهم في حماية الإنتاج الزراعي عبر اتخاذ تدابير صارمة تحدّ من التسويق العشوائي، وتكبح جشع واحتكار التجّار، وحتى لا يبقى المحصول الزراعي سلعة تجارية خاضعة للعرض والطلب. ويرى الفلاحون في مشاريع تطوير أسواق الهال مشروعات اقتصادية واجتماعية بآن معاً يمكن أن تصون المنتجات الزراعية وتؤمّن المواد بأسعار مقبولة.

وفي منحى آخر، لم يكن سوق الهال بالنظافة المطلوبة وخاصة ضمن الظروف الراهنة والإجراءات الوقائية. وعند سؤالنا عن التنظيف وكيفية التنظيم؟ أوضح بعض التّجار أن البلدية تقوم بالتنظيف آخر الأسبوع فقط، ليؤكد رئيس البلدية فراس عقميق أن التنظيف يتم بشكل يومي والعاملون موجودون في السوق، علماً أن عدد العاملين قليل.. تأكيد رئيس البلدية جاء على مضض، حيث كان يرفض الحديث حتى نأتي له الموافقة من المحافظة، أما مدير مديرية الأملاك باسل سلهب فقد بين أن هناك تحضيراً لإحداث سوق شعبي بالقرب من سوق الهال ما سينعكس إيجاباً على الأسعار ويؤدي إلى حالة تنافسية.

أسباب الارتفاعات

ويعتبر عضو مجلس المحافظة المحامي يوسف قصيباتي أنه بين تقاذف الكرات وتحديد المسؤول عن ارتفاع أسعار الخضار والفواكه، يدفع المواطن وأصحاب الدخل المحدود الثمن، حيث يبحث المستهلك عن السعر الأرخص للمواد الأساسية في الأسواق الكبيرة والشعبية ليجد بعض الفوارق. وأشار مزارعون إلى أن أسباب ارتفاع الخضار والفواكه المحلية نتيجة غلاء الأسمدة واليد العاملة والمحروقات والنقل بين المحافظات ومن أرض الفلاح للسوق، إضافة إلى اللجوء لعمليات التهريب في تصدير المواد الأساسية.

ويرى تجار السوق أن سرّ ارتفاع الأسعار نتيجة وصول الخضار والفواكه مرتفعة الثمن نوعاً ما، وفي بعض الأحيان يتمّ شراؤها من الفلاح بمبالغ مسبقة نتيجة تقديم مساعدة له ويحتفظ بها في البرادات حتى نستطيع تأمين هذه المواد طيلة العام، متكلفين بذلك مبالغ باهظة نتيجة الاحتفاظ بها في البرادات، علماً أن الخضار والفواكه المحلية دائماً معرّضة للحالات الجوية والفترة الزمنية لزراعتها، فحين تكون كثيرة ينخفض سعرها بشكل كبير، حيث تعتمد على قضية العرض والطلب.

دعم وتسهيلات

ودعا قصيباتي إلى الاعتماد على الكوادر الشابة ومنحهم الدعم الكافي لاستصلاح الأراضي حسب مساحات صغيرة تلبي احتياجاتهم الشخصية، ولو على مستوى القرى والأحياء الصغيرة من صندوق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع فتح أسواق متعددة تساهم في كثرة العرض، مما يخفف من الطلب، إضافة إلى دعم الطلبة في مشاريع البحث العلمي من خلال برامج مائية زراعية وزراعية صناعية أولية لتخفيف نسب استهلاك المياه للنباتات لتوفير ما استطعنا من حاجة استهلاك المياه مع تحقيق أول بدايات في الصناعة الزراعية، مما يساعد على التصدير النوعي ورفده للقطاع الزراعي ودعم القطاع الزراعي عن طريق اتحاد الفلاحين بتقديم المواد الأساسية من الأسمدة والبذور ذات المردود الجيد بأقساط تشجيعية ومدعومة من قبل الحكومة بتعاون مصارف القطاع الزراعي.

وطالب قصيباتي بإعطاء دور رقابي للأسواق من قبل المجتمع الأهلي ومجالس المحافظات، ولاسيما الدور الذي يقوم به مجلس محافظة دمشق، معتبراً أن الدور الكبير لوزارة التجارة وحماية المستهلك يكون من خلال ربط هذه الحلقات مع بعضها البعض تحت شعار حماية المستهلك الذي تأخذ اسمها منه خلال ما تقوم به، وإلزام جميع الفعاليات الاقتصادية والتجارية والصناعية بضرورة الالتزام بكتابة الفاتورة الحقيقية التي ستساعد الفلاح على تأمين مواده الأساسية.

12  إغلاقاً 

من جهته لفت عضو المكتب التنفيذي المختص في محافظة دمشق شادي سكرية إلى وجود المكتب التنفيذي مع دوريات الرقابة وتنظيم الضبوط بحق المخالفين، حيث بيّن أنه تمّ تنظيم 12 ضبط إغلاق بحق تجار في سوق الهال خلال الأسبوع الماضي، إضافة إلى إدخال سيارات من “السورية للتجارة” إلى السوق وبيعها بأسعار تنافسية.

وحول كتابة فواتير من تجار السوق لبائعي المفرق، أشار مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق عدي شبلي إلى ضرورة الفوترة، وكل تاجر لا يمنح فواتير بالبضاعة المباعة ينظم بحقه ضبط مخالفة، داعياً بائعي المفرق للتصريح عن كل تاجر يرفض تسطير فواتير بالمواد وستتمّ محاسبته أصولاً، موضحاً أن دوريات الرقابة موجودة في سوق الهال بشكل يومي.

واقع مختلف

ومع تأكيدات المحافظة وحماية المستهلك يبقى الواقع مختلفاً، فسوق الهال ليس على بال المعنيين، وهناك فلتان كبير واستغلال وتحكم من تجار السوق دون رادع حقيقي، ليعتبر متابعون أن الحلّ الوحيد لتخفيض أسعار الخضار والفواكه الإسراع بتنفيذ الأسواق الشعبية وتطبيق البيع من الفلاح إلى المستهلك مما يقطع الطريق على التّجار ويخفض الأسعار.

علي حسون