دراساتصحيفة البعث

العلاقات “الإسرائيلية” التركية تتعمق وراء الكواليس

إعداد: سمر سامي السمارة

 

ليس سراً أن ترامب أهم حليف دبلوماسي واستراتيجي لنتنياهو، ولعل زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو في الثالث عشر من الشهر الحالي “لإسرائيل” والتي ناقش فيها مع حكومة الكيان الجديدة خطط ضم الضفة الغربية، أثبتت مرة أخرى مصداقية هذه المقولة.

كان الضم، المنصوص عليه في خطة حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي كشف عنه الرئيس الأمريكي ترامب ويشار إليه باسم “صفقة القرن”، وعداً رئيسياً قطعه نتنياهو خلال حملته الانتخابية. والآن يعتزم رئيس وزراء الكيان الحفاظ على وعده خلال الفترة الرئاسية لترامب. وبحسب اتفاقية حكومة الوحدة ، يمكن لنتنياهو عرض اقتراح الضم على الكنيست  بعد الأول من شهر تموز.

بطبيعة الحال، حفاظاً منه على نجاح هذه الخطط وضمان حلول مختلفة للقضايا “الإسرائيلية” التي تحظى بدعم واشنطن، أظهر نتنياهو – في أكثر من مناسبة-  استعداده لدعم أي من مبادرات وسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وُيطبق هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالجهود المشتركة للبلدين لمحاربة إيران التي تعتبر تهديداً رئيسياً للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. بينما تواصل “إسرائيل” تلقي الأوامر من واشنطن، فإنها تهدف إلى نشر و إثارة الفوضى في سورية من خلال شن غارات جوية.

منذ أن اختار نتنياهو دعم خطط واشنطن بالمطلق لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، أُجبر لاحقاً على مراجعة علاقات “إسرائيل” مع عدد من دول المنطقة. وبما أن واشنطن قررت الآن أن تلعب لعبة ماكرة مع أنقرة من أجل جذبها بعيداً عن روسيا، فقد بدأت “إسرائيل” مؤخراً في تعديل علاقاتها مع تركيا التي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

ومن الجدير بالذكر، أن العلاقات الثنائية بدأت في التدهور بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ففي شهر أيار لعام 2018 ، طُلب من السفير الإسرائيلي في تركيا إيتان نايح مغادرة تركيا. ثم ردت “وزارة الخارجية الإسرائيلية” بعد ذلك. بالإضافة إلى ذلك، كان دعم تركيا المفتوح لحماس مصدر سخط بالغ لتل أبيب. وبحسب معلومات وردت من وكالة المخابرات الإسرائيلية، انتقل أكثر من عشرة أعضاء من حماس في قطاع غزة إلى اسطنبول في العام 2018. وبدورها ذكرت صحيفة ” التلغراف” أن عناصر من حماس خططوا لشن هجمات ضد “إسرائيل” من تركيا، بينما غض أردوغان الطرف عن هذه الأنشطة. في المقابل، نفى مصدر دبلوماسي تركي هذه الإدعاءات التي ذكرتها الصحيفة البريطانية تحت ضغط من واشنطن وتل أبيب، وذكر أن حماس من وجهة نظر أنقرة ، ليست “منظمة إرهابية” بل حزب سياسي فلسطيني شرعي فاز في الانتخابات التشريعية الأخيرة.مع استمرار تدهور العلاقة بين تل أبيب وأنقرة ، اعترفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بأن “إسرائيل” مارست الضغط على واشنطن لحرمان أنقرة من المقاتلة إف 35 بعد أن قام الرئيس التركي بالمضي قدماً في شراء منظومة صواريخ  إس -400 روسية الصنع. في الآونة الأخيرة، أصبح شرق البحر الأبيض المتوسط ​​نقطة خلاف أخرى بين “إسرائيل” وتركيا. إذ أنه لطالما مثلت هذه المنطقة مجالاً هاماً لتل أبيب لأن أكثر من 90٪ من صادراتها ووارداتها يتم نقله عبر هذه المنطقة. كما ساهمت حقول الغاز التي تم اكتشافها في المنطقة الاقتصادية التي تحتلها “إسرائيل” في البحر الأبيض المتوسط ​​ وتقوم باستغلالها حالياً في ازدياد أهمية المنطقة. وفي نهاية شهر تشرين الثاني لعام 2019 ، وقعت تركيا مع قطر وليبيا اتفاقيات مثيرة للجدل، تؤثر على سياسات الغاز في البحر الأبيض المتوسط . وفي محاولة لكبح جماح طموحات أنقرة في توسيع نفوذها، تم الإعلان في كانون الثاني،عن تأسيس منظمة جديدة تسمى منتدى غاز شرق المتوسط. وستضم “إسرائيل” ومصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وكذلك السلطة الوطنية الفلسطينية وسيكون مقرها في القاهرة.على الرغم من هذه الخلافات الخطيرة بين “إسرائيل” وتركيا، إلا أن تل أبيب -إرضاءً لواشنطن- بدأت مؤخراً، إجراء مفاوضات من وراء الكواليس مع أنقرة من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين. فعلى النحو المتوخى في الخطط الأمريكية في المستقبل، ينبغي لهذه العلاقات أن تصبح رافعات أساسية للنفوذ في المنطقة. ورداً على سؤال عبر حساب تويتر الرسمي لوزارة خارجية الكيان الإسرائيلي حول إمكانية أن تصبح تركيا و”إسرائيل” صديقتين وحليفتين مرة أخرى كما كان الحال في التسعينيات، ظهر الرد التالي: “نحن فخورون بعلاقاتنا الدبلوماسية مع تركيا، و نأمل أن تصبح علاقاتنا أقوى وأوثق في المستقبل “.وبالفعل أفادت عدد من وسائل الإعلام التركية والعربية مؤخراً، بأن “إسرائيل” وتركيا تجريان مفاوضات سرية للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، على غرار الاتفاقية التي وقعتها بالفعل تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبي، وأثارت، قبل فترة قصيرة، احتجاجات من قبرص ومصر واليونان و”إسرائيل” أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت اليونان ومصر وقبرص وفرنسا والإمارات مؤخراً، بياناً مشتركاً أدان تصرفات تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​واتهم أنقرة بانتهاك القانون الدولي.  وهنا لا بد من الإشارة إلى أن “إسرائيل” لم تكن من بين الدول التي شجبت تركيا، وهي أدلة إضافية تدعم النظرية القائلة بأن “إسرائيل” وتركيا تنخرطان في محادثات سرية حتى تشمل خرائط تظهر الحدود البحرية المتفق عليها. ومع ذلك يعتقد بعض المحللين أنه من غير المرجح أن تتوصل “إسرائيل” إلى مثل هذه الصفقة مع تركيا لأنها لا تتماشى مع اتفاقيات “إسرائيل” القائمة بالفعل مع قبرص واليونان ومصر ودول أخرى. ومع ذلك، من الواضح أن “إسرائيل” تتبع قيادة الولايات المتحدة على الساحة العالمية، وبالتالي، فإن موقف ازدراء تجاه الاتفاقات الدولية التي تم التوصل إليها سابقاً لن يكون مفاجئاً لأن مثل هذا السلوك أصبح هو المعيار لكليهما.