دراساتصحيفة البعث

“الجاز” الأمريكي تقتله العنصرية

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع انفيستج اكشن 7/6/2020

 

“أنا فنان موسيقا الجاز، قضيت حياتي كلها في دراسة الموسيقا والثقافة الأمريكية السوداء، إن موسيقا الجاز هي بالتأكيد المساهمة الأمريكية الأكثر أهمية، وربما الوحيدة في الثقافة العالمية، وسؤالي هذا: ماذا حدث لموسيقا الجاز الأمريكية السوداء؟ ولماذا فقد الأمريكيون السود الاهتمام بإبداعاتهم الرائعة؟”.

أحد الإجابات عن هذا السؤال هو أن الجاز ولد من المقاومة، وكان يتغذى على تحدي “الحلم الأمريكي”، فبدلاً من البحث عن الثروة والقوة، ضحى آباؤنا الفنيون السود بحياتهم باسم الجمال، لقد قتلوا حرفياً في البحث عن أصوات جديدة وألوان جديدة، تركوا لنا إرثاً عظيماً، لكن الأجيال الحديثة تحولت إلى مجالات فنية جديدة مثل: “الهيب هوب”، و”الراب”.

بالنسبة للأشخاص الذين جعلوا موسيقا الجاز شكلاً فنياً، كانت الموسيقا روحاً ثورية، بالنسبة للمغني “بيرد”، يعني “حان الوقت الآن”، أن الوقت قد حان للتغيير الاجتماعي، بينما لفت جون كولتران إلى أن “ألاباما” كانت الرد المناسب على تفجير الكنيسة المعمدانية الذي أودى بحياة أربع فتيات أمريكيات من أصول أفريقية.

عندما كانت موسيقا الجاز تعني شيئاً، لم تكن لغة الإيذاء، بل على العكس تماماً كانت موسيقا الجاز رسالة عدم ثقة: كل ما يمكننا القيام به نحن السود بشكل أفضل، والحقيقة لم يتمكن أحد من القيام بعمل أفضل من: “تران، بيرد، مايلز، سوني، ايلفين”، مع فنانين كثيرين غيرهم لم يتوسلوا إلى وول ستريت لتمويلهم، ولم يطلبوا من الآخرين الانضمام إلى معركتهم، بل على العكس توسلوا إلينا حتى يتمكن جمالهم وفنونهم وروحهم من إنارة دروبنا وتحريرنا، لم يمض وقت طويل قبل أن تدرك النخبة الأمريكية أن موسيقا الجاز هي أفضل سفير للولايات المتحدة حول العالم، وقد حدث كل هذا عندما كان الأمريكيون السود يخضعون للتمييز العنصري، وخاصة في الجنوب، من الحكمة الاعتقاد أن تحول موسيقا الجاز إلى “صوت أمريكا” هو الذي لعب دوراً رئيسياً في تحرير الجنوب الأسود.

لسوء الحظ،  فقدت موسيقا الجاز روحها قبل عقد أو عقدين، لقد انتقلت من صوت المقاومة إلى ما تم اختزاله تدريجياً إلى “السؤال الأكاديمي”، “نظام المعرفة”، اليوم، العديد من موسيقيي الجاز الشباب هم “خريجو مدرسة الموسيقا”، يمكن أن تكون سريعة للغاية ومتطورة، ولكن ليس لديهم الكثير ليقولوه، وفي معظم الحالات، يفضّلون عدم قول أي شيء، قد يعتقد البعض أن قول شيء ما يتحدى “أهدافهم الفنية”، لأنه يطمس الخط الفاصل بين الفن والسياسة، أخشى أنهم مخطئون، لكي يكون الجاز فناً ذا معنى، من الأفضل أن يكون ثورياً حتى النهاية، الجاز هو قبل كل شيء صوت الحرية.

لبعض الوقت، رأينا موسيقا الجاز المعاصرة تتدهور إلى ممارسة فنية لا معنى لها، على العموم مات الجاز أمام أعيننا، هل تضمن هذا الاختفاء الفني انهيار الحضارة الأمريكية، والصورة التي تمتلكها الولايات المتحدة عن نفسها “كمجتمع حر”؟.

لماذا مات الجاز؟ لأن الأمريكيين السود فقدوا الاهتمام بشكلهم الفني الأصلي، لماذا فقدوا الاهتمام؟ إلى حد كبير لأن فنهم، مثل جميع الجوانب الأخرى للثقافة الأمريكية والمالية والإعلام والعقل والحلم، كان مشغولاً.

أنا كغيري من فناني الجاز والإنسانيين أكره العنصرية بجميع أشكالها، ومع ذلك، أريد أن أرى الناس يحتفلون بفنهم وإبداعاتهم، أنا من أولئك الذين يرغبون في رؤية الألمان يكتبون الفلسفة، ويؤلفون السمفونيات مرة أخرى، أريد أن أرى الناس يحتفلون بثقافتهم الفريدة، طالما أنهم لا يفعلون ذلك على حساب الآخرين، أريد أكثر من أي شيء آخر أن يفتخر السود بأنفسهم وبقيمهم وفنهم وثقافتهم، آمل أن يقودونا مرة أخرى إلى طريق الجمال الذي أظهروه لنا أكثر من أي شعب آخر، آمل أن تعطينا أمريكا السوداء: “تران” صغيراً، طائراً جديداً، “سارة فوغان” أخرى، وشخصية أخرى مثل “مايلز ديفيس”، أريد أن أرى الأمريكيين السود يساهمون في تنمية ثقافتنا بمواهبهم، ويحتفلون بعظمتهم، أريدهم أن يكونوا سفراء أمريكيين كما كانوا في السابق بدلاً من أن يكونوا ضحايا انتهاكات النظام الأمريكي، نظام ترامب المستبد، أعتقد أنه بدلاً من إرسال الجنود الأمريكيين في حروب إجرامية في سورية والعراق وأفغانستان، آن الأوان لتقوم أمريكا بتحرير نفسها.