تحقيقاتسلايد الجريدةصحيفة البعث

طلبة طب الأسنان في مهب الريح.. تكاليف الدراسة ترتفع باستمرار والطبقية قد تطل برأسها في جامعاتنا!

يبذل والد ريما، الطالبة في كلية طب الأسنان، كل ما بوسعه ليحافظ على حلمه من الانكسار، فمستقبل ابنته “الدكتورة” بات في مهب الريح مع ارتفاع فاتورة الدراسة، وغلاء أسعار المواد التعليمية التي لم يعد يقوى على تأمينها في زحمة الهموم والأعباء، حيث باتت المخاوف تحاصر حلم تخرج الابنة التي يعقد عليها الكثير من الآمال للمساعدة في تدبير معيشة العائلة.. وطبعاً الأحلام هنا تبنى على تأمين وظيفة في القطاع العام، أو الخاص، فإمكانية فتح عيادة باتت من المستحيلات بعد وصول سعر كرسي المعالجة إلى أكثر من 15 مليون ليرة سورية.
ولاشك أن حال هذه العائلة يشبه حال الكثير من العائلات التي يدرس أبناؤها في كلية طب الأسنان، التي تعد من أكثر الكليات كلفةً على الإطلاق، خاصةً وأن المواد المستخدمة فيها مستوردة بنسبة 90 إلى 95 بالمئة، حيث لا تتجاوز نسبة المواد المصنعة محلياً الـ 5%، ما يجعل الطلاب فريسةً لاستغلال أصحاب مراكز البيع المخصصة، سواء تلك الموجودة خارج حرم الكلية، أو حتى داخل الحرم، والتي يشكو الطلاب من أسعارها التي تفوق تلك الموجودة خارجاً، مع غياب الرقابة عليها، رغم الشكاوى المقدمة على مدار العام، ولكن من دون أي نتيجة طبعاً! ويستحوذ الجانب العملي من الاختصاص على الحيز الأكبر، ما يزيد العبء المادي على الطلبة.

في مهب الريح!!
تختلف التكلفة المادية من فصل لآخر، ومن سنة لأخرى، حسب ما أوضح الطلاب، حيث أكدوا أن البعض منهم، وبعد مرور أكثر من شهر على بدء الدوام، دفع ما يقارب الخمسين ألف ليرة لشراء مواد مطلوبة في الكلية.. وهنا، طبعاً، لا بد أن نلفت النظر إلى المعاناة الإضافية التي سببها ارتفاع سعر الصرف، مازاد العبء عليهم.
ريم، سنة رابعة، توضح أن كل طالب يشتري ما يلزمه من مواد بسعر مختلف، في إشارة إلى عدم مراقبة الأسعار، مؤكدةً أن طالب السنة الرابعة أصبح وسطياً بحاجة إلى حوالي مئة ألف إلى مئة وخمسين ألف ليرة في الفصل الواحد، على الرغم من عدم استقبال المرضى بسبب جائحة كورونا، وهذا ما أكده أيضاً طالب من السنة الثانية أصبحت فكرة تغيير الاختصاص ترهقه!.

متابعة.. ولكن!
وفيما كان الطلاب قد قدموا في الاجتماع الحزبي شكاوى عدة عن الأسعار المرتفعة جداً، والمبالغ فيها، وعن استغلال باعة المركز لحاجة الطلاب لهم، لوجوده ضمن حرم الكلية، نفى الأستاذ الدكتور أسامة الجبّان، عميد كلية طب الأسنان، وصول أي شكوى بخصوص المركز الموجود في حرم الكلية، مبدياً استعداده لمتابعة الأمر بدقة، لأن “المركز ليس تابعاً لنا، وإنما لهيئة المقاصف والأكشاك. وتابع الدكتور الجبّان بأن نسبة كبيرة من المواد تقوم الكلية بتأمينها كاملة، وفي جميع الأقسام، ولكن على الطالب إحضار أجهزة ومواد خاصة به، مثل الملاقط وأدوات التعقيم وغيرها، فهذه الأدوات تبقى معه حتى بعد التخرج، ويستفيد منها في عيادته الخاصة، جازماً بأنه ما من كلية في العالم تعلم طب الأسنان مجاناً، ما يجعلنا فخورين، نحن في سورية، أننا، ورغم الظروف الصعبة جداً، خاصة مع الأقساط الخيالية لكليات تدريس طب الأسنان في الدول المجاورة، مازلنا ندرس طب الأسنان مجاناً، وهو أمر غير موجود في كل دول العالم.. وحتى الدول التي تدرس الطلاب بأرقام عالية جداً، فهي تطلب منهم أدوات على حسابهم الشخصي، بينما نحن هنا نوفر الأدوات، وما يطلب فقط الأدوات الخاصة بالطالب، مضيفاً: إن “الأسعار ارتفعت، وهو أمر ألمسه بشكل مباشر بحكم عملي في العيادة الخاصة، الأجهزة والأدوات على السواء، ما يجعل الوضع المالي ضاغطاً على الجميع، لذلك عمدت الكلية إلى القيام بمبادرات لمساعدة الطلاب، وطُلِب من أعضاء الهيئة الإدارية أن يتواجدوا بين الطلاب ليكونوا على إطلاع أكبر على وضع أي طالب بحاجة للمساعدة، وتقديم ما يمكن، إضافة إلى إنشاء مجموعة على الفيسبوك لتبادل أدوات الدراسة والمحاضرات، حتى لا يتكلف الطلاب، ولكي يتجاوزوا هذه المرحلة الصعبة”.

صيانة الأجهزة
يوضح الدكتور الجبّان أن صيانة الأجهزة دورية، ولكن هناك ضغطاً كبيراً عليها، ولكن بمجرد أن يتعطل الجهاز يقوم المسؤول عن الصيانة بتصليحه. ومجموع الأعطال لا يتجاوز الـ 1%، مع العلم أن عدداً من الطلاب أكدوا أن هناك أجهزة تحتاج إلى صيانة، كتلك الموجودة في قسمي الأطفال واللبية اللذين يحتاجان بدورهما إلى صيانة، فالطفل المريض “يتحمم هو والطالب المعالج”، أثناء المعالجة، بسبب الوضع السيىء لبعض لأجهزة الموجودة في كلا القسمين، إضافة إلى النقص الكبير في المواد، والتي يتعين على الكلية توفيرها. وعلى حد قول الطلاب، فقد عانوا خلال الفصل الماضي من هذا النقص، وهو ما رفضه الدكتور الجبّان مؤكداً أنه، ورغم الوضع الضاغط، هناك تصميم على متابعة العملية التعليمية، خاصة وأن الكلية رائدة في موضوع التعليم عن بعد، حيث بدؤوا ومنذ بداية جائحة كورونا ببث عدد كبير من المحاضرات النظرية، إضافةً إلى عدد من المحاضرات “صوت وصورة” مع محاضرين محليين وعرب وأجانب.

مصرف يقدم المساعدات للطلاب!
بسبب الوضع المادي الصعب الذي يعاني منه طلاب كلية طب الأسنان، بات البعض منهم يفكر بتغيير اختصاصه لآخر أقل تكلفة، كالصيدلة، حيث أسرّت إحدى طالبات السنة الثالثة أنه لم يعد بمقدور عائلتها أن تقوم بتأمين مستلزمات الكلية لها، وهذا ما جعلها تفكر بتغيير اختصاصها على الرغم من حبها لطب الأسنان.
طالب آخر، سنة ثانية، أضاف: إنه ندم على اختياره طب الأسنان رغم شغفه به، ملوحاً بكيس صغير في يده يحوي عدداً من القطع التي يتوجب عليه شراؤها كل أسبوع: “ثمن القطعة الواحدة كان منذ فترة زمنية قصيرة لا يتجاوز 25 ليرة، وأصبح اليوم 175.. نحن في المنزل ثلاثة طلاب في الجامعة: صيدلة، وأنا طب أسنان، وأختي كلية تربية، وما أريد قوله: إن الأسرة السورية لم يعد بإمكانها أن تعلم كل أبنائها في الجامعات لصعوبة الوضع.. هذا ولم نتحدث بعد عن استحالة أن تكون لدي عيادة خاصة بعد التخرج، خاصة مع وصول ثمن الكرسي إلى حوالي 15مليون ليرة سورية، إضافةً إلى باقي المعدات والعيادة، لذلك فإن من سيدرس هذا الاختصاص يتوجب عليه أن يفكر كثيراً قبل دخوله!”.
بالنسبة للحلول المتاحة لمساعدة الطلاب، يوضح الدكتور الجبّان أن هناك حلولاً لمن يعاني من وضع مادي صعب، كمصرف التسليف الطلابي، والاتحاد الوطني لطلبة سورية، ما يجعل من موضوع تغيير الاختصاص أو قيام الطالب بتقديم طلب لإيقاف دوامه، أمراً فيه بعض المبالغة، لأن الحلول متوفرة، حيث إن الكثير من الأدوات التي يستعملها الطلاب في السنة الثانية والثالثة يستطيعون استعمالها في السنة الرابعة والخامسة.. و”الأمر مازال مقبولاً” – كما قال الدكتور الجبّان، قبل أن يعيد التأكيد أنه، وعلى الرغم من الكلفة العالية للمواد، إلا أن الكلية تؤمنها، مشدداً على أن من يريد أن يتعلم سيتعلم مهما كانت الظروف!، وحسب تجربته الشخصية، وأثناء دراسته، فقد كان هناك العديد من زملائه ممن يدرس ويتعلم. وهنا، لا بد أن نشير إلى أن معظم الطلاب يرون مثل هذا الكلام بعيداً عن الواقع، بل والواقع عكس ذلك تماماً، مع الإشارة إلى “نقطة مهمة جداً، وهي أن الوضع اليوم مختلف كلياً، خاصة وأن الكثيرين يعملون طيلة النهار، وربما في أكثر من وظيفة، ومع ذلك لا يتمكنون من تأمين الحاجات الأساسية.. فكيف بمن يدرسون!؟”.

تعويض الفاقد التعليمي
يلفت الدكتور الجبّان إلى أنه، وبسبب جائحة كورونا، تم توقيف العمل السريري في كليات طب الأسنان في كل الجامعات السورية، خلال الفصل الثاني من هذا العام.. لكن، وبعد انتهاء الفصل الثاني ستكون هناك دراسة للواقع.. فإذا كان الوضع يسمح بالعودة إلى العمل السريري، فهذا أمر جيد، وإلا سنبقى ملتزمين بالتوجيهات الوزارية، لأن ما يهمنا هو سلامة الطلاب ومصلحتهم، أما الفاقد العملي اليوم فيتم تعويضه عن طريق محاكاة سريرية عن طريق إحضار أسنان طبيعية، أو اصطناعية، يعمل الطلاب عليها.. وهذا فقط خلال هذا الفصل، وبغض النظر عن موضوع الأسعار الذي لا تتحمل الكلية مسؤوليته لأن عملها علمي بحت، ورسالتها تعليمية، والكلية تبذل كل جهدها لمساعدة طلابها.
الأستاذ الدكتور محمد لؤي مراد، رئيس قسم تعويضات الأسنان الثابتة في جامعة دمشق، أكد أيضاً أن العبء المادي على الطالب هو أنموذج للمجتمع ككل، ويرتبط بأكثر من نقطة، فالكلية بشكل عام تقدم أكثر ما تستطيع فيما يتعلق بالمواد، ولكنها لا يمكنها تقديم كل شيء! ويبقى الجزء الآخر من المواد من مسؤولية الطالب، وهو فعلاً عبء مادي عليه، ولكن الطالب يستفيد منه حتى في عيادته الخاصة لاحقاً، إضافةً إلى العبء الآخر المتعلق بتصوير المحاضرات والنوط، وغيرها، مع العلم أن الكلية لجأت إلى تنزيل المحاضرات على موقعها “ملفات pdf”.. وإذا أردت الحديث عن قسم التعويضات، فقد أمنت الكلية ما يلزم من مواد تعتبر مكلفة جداً.. ولكن، إذا أردنا أن نكون صادقين، العبء المادي ضاغط جداً على الجميع.
إذاً، ما يحتاجه طلاب الكليات التي ترهق كاهل الطلبة وأسرهم، سواء طب الأسنان أم الفنون الجميلة أم هندسة العمارة، هو حلول جذرية، وتقديم مساعدات كبيرة لهم، وتوفير القسم الأكبر من احتياجاتهم، حتى لا تصبح جامعاتنا فارغة، خاصةً لناحية ما تقدمه عملياً، وحتى لا يصبح التعليم في مثل هذه الكليات حلماً وحكراً على من يملك المال، ولكي لا تظهر الطبقية في جامعاتنا!!.

لينا عدرة