ثقافةصحيفة البعث

رموز الخط والمكان في رسوم الأطفال

ها هو طفلنا الصغير المليء بالأسرار يرسم ليعبّر عن نفسه، ويطلق خياله بحرية لا متناهية ثم يتلذذ بتأمّل إنجازاته. إنه يعرض نفسه ويكشف عن ذاته، يظهر ما يحمله من عواطف وعادات اكتسبها من بيئته ومن ثقافة محيطه. ها هو يرسم ليوضّح صراعاته النفسية وقلقه، فتظهر مشكلاته بمظهر جديد بمجرد أن تصبح خطوطاً وألواناً على الورقة، ليتخلص من بعض ضغوطاته ويصبح أقل قلقاً، وأكثر هدوءاً وانسجاماً.

ها هو طفلنا الجميل يرسم مستخدماً رموزه الخاصة، ليرتكب الأخطاء التي يعتبرها من يفهم رموزها ودلالاتها ميزة، لأن عين العارف تستطيع تفسيرها لشيوعها، ولأن الطفل لا يعرفها، بل على العكس تماماً، إنه يجهلها، فنجده يستخدمها بحريّةٍ أكبر، ولأن تفسيرها لا يهمه بل يهمنا نحن البالغين نجده يرسم ويكشف سماته الشخصية، ليس لإرضائنا أو مساعدتنا في التعرف عليه وعلى حالته النفسية التي لطالما تمسك فيها وهو يرسم، بل لكي يعبر بالرسم عمّا يجول في داخله من أحداث عاشها ويعيشها، وهنا لابد لنا من إدراك حاجته للرسم أولاً ثم عرضه للموضوع ثانياً.

إنه يعرض موضوعه شعورياً أو لاشعورياً انطلاقاً من علاقته بالآخرين، أحياناً كثيرةً عن طريق اللعب بالخط والمكان واللون، فيعود لذكرياته وتجاربه فيثبتها، ويستخدم خياله كصلة وصل بين زمنين منفصلين عاش تجاربهما فيدمجهما معاً في بعض الأحيان.

يستخدم الخط ليعبر عن حالاته الانفعالية كالحزن والفرح كالقسوة والثقة بالنفس، وقد ترمز خطوطه إلى الراحة النفسية والجسدية حين تتوسع الحركات وتتدوّر، وترمز في أحيان أخرى إلى الحيوية التي تظهر من خلال إشارات غنية تتجه للأعلى، وإلى الانحطاط من خلال التضييق والضغط، أما العدوانية فتترجم إلى نتوءاتٍ وتشابكات، وأما الحساسية فتتبدى من خلال خطوطٍ دقيقة وتنوّع بالحركات الخطيّة، لنكتشف الأطفال قليلي النمو من خلال خطوطهم القصيرة المكبوحة والأطفال الأكثر نمواً من خلال التوازن الجيد بين الأجزاء في خطهم، لنلاحظ أنّ قوة الخط وكثافته غالباً ما تدل على المقدرة أكثر مما تدل على حالة الطفل العاطفية.

ولأن من أهم وظائف الخط خلال الرسم هي تشكيل الحدود فسنجد أن الحدود شديدة القسوة تعبر عن عدوانية وقمع وحالات عصبية، وقد تكون دليلاً على المبالغة في ضبط النفس، أما إذا كانت الحدود لطيفة محمّلة بالقيم الجمالية فإنها تدل على شخصية طفلٍ يسير نحو النضج، ليأتي دور المكان في لوحات أطفالنا لتعبر حين يوزعون عناصرهم على الصفحة بشكل جيد عن الصفاء، وعلى الإدراك في حال تحسسوا المكان أكثر من غيرهم، فاستخدام المكان يدل على إدراكهم للأحداث والعلاقات بين الأشخاص، وبينهم وبين وسطهم، بالإضافة لأسلوبهم الخاص في إقامة تلك العلاقات، فالخروج عن حدود الورقة للأطفال كبار السن يشير إلى نقصٍ عاطفيٍ وعدم الثقة بالنفس، بسبب تأثير وسطهم عليهم، أما الطفل الخجول فسيقوم بالرسم على جزءٍ صغيرٍ من المسافة المتوفرة لديه أو قد يأخذ أحياناً ورقةً صغيرة الأبعاد لأنه يشعر بالضياع حيال المساحات الكبيرة، وهؤلاء يحتاجون منا نحن الكبار إلى كل الدعم والتشجيع ليصبحوا أكثر ثقة وتوازناً.

بينما نرى أطفالاً يفضلون القسم العلوي من الورقة على القسم السفلي منها ربما لأن الأعلى يستدعي صوراً تدعو للراحة والتحرر بينما يوحي الأسفل بالثقل والثبات ولكن من دون حماس، أما حين يزيح الرسم إلى اليسار – إلا إذا كان الطفل أعسراً – فإن هذا يدل على الكآبة والحذر والانطواء، بينما الرسم على اليمين فيدل على الحيوية والطبع البشوش، ليكون الأطفال الذين يرسمون في مركز اللوحة تماماً هم أشد الأطفال تركيزاً.

ولكي نحكم على لوحة الطفل وخطوطه وتوضّع الأماكن في لوحته لابد لنا من أن نكون على اطلاعٍ كافٍ على ظروفه ومحيطه وألا نطلق أحكامنا عليه دون دراسةٍ واعيةٍ ومتأنيةٍ تستند إلى الوعي والمعرفة بمرحلته العمرية ووسطه الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وعندها فقط نستطيع أن نلج إلى عالمه لنمسك بيده، وهو يدخل إلى هذا العالم المليء بالتجارب لنسانده وندعمه كي يخطو بثقة إلى مستقبله الذي نرجوه آمناً وسعيداً.

 هيام سلمان