دراساتصحيفة البعث

الصين وأوروبا والمنغصات الأمريكية

ترجمة: علاء العطار

عن “غلوبال تايمز”

 لا تزال العلاقة بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي تعيش حالة المد والجزر، وعلى ما يبدو أن وراء هذه الحالة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً دونالد ترامب، تجاه الصين، والتي لا شك أربكت الشريك الأوروبي وجعلته غير قادر على رسم بوصلته السياسية والاقتصادية مع الصين.

جددت الصين وأوروبا تفاعلاتهما المتكررة مؤخراً، إذ التقى عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي يوم 24 آب الماضي بوزير الخارجية المجري بيتر سزيجارتو في منطقة قوانغشي بجنوب الصين، وفي 25 آب بدأ وانغ رحلته إلى ايطاليا وهولندا والنرويج وفرنسا وألمانيا. وهذه هي أول زيارة خارجية يقوم بها وانغ منذ أن سيطرت الصين على جائحة كورونا، وتهدف إلى تمهيد الطريق للتفاعلات المستقبلية بين القادة الصينيين والأوروبيين، ما يوضح أن الجانبين يعلّقان أهمية كبيرة على بعضهما البعض، خاصة الآن في ظل البيئة الدولية المتوترة.

لكن هناك منغصات خارجية هدّامة في العلاقات بين الصين وأوروبا، فخلال الشهرين الفائتين، زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت اوبراين عدة دول أوروبية، وحاولا نشر “فيروس أمريكي” عبر حملة تشويه للعلاقات العامة بغية الإضرار بالعلاقات الصينية الأوروبية، وتحدثا في حواراتهما مع الدول الأوروبية بشكل متكرر عن تقنية 5G، و”الشبكة النظيفة”، وحاولا ضم جميع الدول الأوروبية إلى معسكرهما المناهض للصين.

كما بالغت واشنطن في تضخيم الخلافات الاقتصادية والأيديولوجية بين الصين وأوروبا. فالولايات المتحدة لن تتخلى عن أية فرصة للإيقاع بين الصين وأوروبا، في محاولة لتحويل الجانبين إلى عدوين، ولذلك حرّضت بضعة محافظين أوروبيين أو أطلسيين، يتبعون الولايات المتحدة بشكل أعمى، ولكن في مواجهة الوضع الدولي المعقد، سيحافظ السياسيون الأوروبيون النافذون على تركيزهم الاستراتيجي، وسيعلّقون أهمية كبيرة على العلاقات الصينية الأوروبية.

على سبيل المثال، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً: إن ألمانيا والاتحاد الأوروبي يرغبان في مواصلة المحادثات مع الصين ليكونا مثالاً لتعددية يحتذى بها، كما تظهر زيارة وانغ لألمانيا أن الصين تولي أهمية كبيرة لقيادة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، إذ تتولى ألمانيا حالياً الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، وتعتبر الصين هذه الفترة فرصة لتوطيد العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي وتعميقها، وتأمل أن يكون التعاون مع برلين مثالاً يحتذى به عن العلاقات بين الصين وأوروبا، وأن يفيد العالم.

وتشترك الصين وأوروبا أيضاً في مصالح واسعة وعميقة، فقد تعاون الجانبان في مكافحة فيروس كوفيد 19، والحوكمة الصحية الدولية، واستئناف العمل والإنتاج، يفوق هذا التعاون في أهميته المنافسة في العلاقات الصينية الأوروبية، وتعود هذه الشراكة بالفائدة على العالم، ولديها القدرة على تحقيق ازدهار وتنمية أوسع في العالم.

وفيما يتعلق بالانتعاش الاقتصادي، دعا وانغ إلى تسريع محادثات التجارة الحرة مع النرويج، مؤكداً على فرص التنمية التي يمكن تحقيقها من خلال مبادرة الحزام والطريق، أما في مجال التعددية فقد عززت الصين وأوروبا توافقهما عبر دعم منظمة الصحة العالمية لقيادة إدارة الصحة العالمية، وتعزيز التعاون بشأن تغير المناخ والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى قضايا أخرى.

وعليه، يجب على الصين وأوروبا تعزيز التعاون بينهما، ورفض جميع أنواع الاستفزازات، وعلى الرغم من أن الصين تواجه مواقف دولية معقدة للغاية، إلا أنها لاتزال متمسكة بالتنمية السلمية والانفتاح والتعاون المتبادل، فخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو في 25 آب، قال وانغ: “إن بدء حرب باردة جديدة سيعكس مسار التاريخ، ويجعل العالم رهينة مصالح دولة واحدة فقط”.

تحتاج أوروبا أيضاً إلى منع الوقوع في فخ عقلية عدائية تغذيها واشنطن، وإلا فقد تفقد مستقبلاً مشرقاً يسوده تعاون أعمق وأوسع مع الصين، وفيما يتعلق بمسائل التجارة الحرة، ونورد ستريم 2، وتقنية 5G، والتعددية، تتعرّض أوروبا لضغوط من الولايات المتحدة، لكنها سئمت الوضع الحالي، ويمكنها أن ترىبوضوح أن الولايات المتحدة تتجاهل شركاءها وحلفاءها من أجل مصلحتها.

تتمتع الصين وأوروبا بحكمة سياسية كافية، وهما مزودتان بتركيز استراتيجي لاتخاذ خيارات صحيحة تفيد كلا الجانبين والبشرية جمعاء.