دراساتصحيفة البعث

زوال هيمنة الغرب على العالم

عائدة أسعد

إن التعليق الأخير الذي أدلى به منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بأنه “إذا استمرّت التوترات الجيوسياسية العالمية الحالية في التطوّر في اتجاه الغرب ضد الباقي، فإن مخاطر مستقبل أوروبا ستكون قاتمة” قد انتشر على نطاق واسع على موقع X (تويتر سابقاً).

وقال بوريل في مدوّنة حديثة: إن “عصر الهيمنة الغربية قد انتهى بالتأكيد، وعلى الرغم من أن هذا مفهوم من الناحية النظرية، إلا أننا لم نستخلص دائماً جميع الاستنتاجات العملية من هذا الواقع الجديد”، ولفت أيضاً إلى أن “الكثيرين في الجنوب العالمي يتهموننا بالكيل بمكيالين”، في إشارة إلى ردود أفعال الغرب المختلفة بشكل صارخ بشأن الصراع الروسي الأوكراني والصراع الإسرائيلي العربي.

وتجدر الإشارة إلى أن المدوّنة المنشورة على الموقع الإلكتروني لخدمة العمل الخارجي الأوروبية، وهي خدمة دبلوماسية للاتحاد الأوروبي تدير السياسة الخارجية والأمنية للكتلة، مثيرة للجدل بالنسبة لزعماء الاتحاد الأوروبي.

وأما المتحدث باسم المفوّضية الأوروبية، إريك مامر، فقد قال: إن مدوّنة بوريل ليست شيئاً يمكن عدُّه موقفاً رسمياً من المفوضية أو الاتحاد الأوروبي.

ولا يخفى على أحد أن بوريل لا يتفق مع رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشأن قضايا السياسة الخارجية المتعدّدة، فقد أصبح في الآونة الأخيرة أكثر صراحة بشأن ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، بينما كانت فون دير لاين في المقابل متحيّزة تجاه “إسرائيل”، ما دفع أكثر من 800 موظف سابق وحالي في الاتحاد الأوروبي إلى إرسال رسالة احتجاج موقعة إلى الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول، وفي 29 شباط تظاهر حشد كبير من موظفي الخدمة المدنية في الاتحاد الأوروبي خارج مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وهو الأمر الذي لم تتحدّث عنه فون دير لاين مطلقاً.

وفي هذا السياق، كانت مدوّنة بوريل مهمّة جداً لأنه لم يعترف أي زعيم غربي آخر، وخاصة أولئك في واشنطن، بأنهم يواجهون تحدّي “الغرب في مواجهة بقية العالم”، بل على العكس من ذلك، فإن الزعماء والساسة الغربيين، بما في ذلك زعماء الولايات المتحدة ومجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وحتى وسائل الإعلام الغربية، كثيراً ما يزعمون كذباً أنهم يمثلون المجتمع الدولي، ومن خلال قول ذلك، يحاول القادة الغربيون، الذين يمكنهم في أفضل الأحوال الادّعاء بأنهم يمثلون حوالي 900 مليون نسمة فقط، اختطاف آراء العالم النامي بأكمله، وخاصة الجنوب العالمي الذي يمثل أكثر من 80 بالمائة من سكان العالم.

ولا بدّ أن واشنطن غاضبة من تصريح بوريل بشأن نهاية الهيمنة الغربية، فالولايات المتحدة تحاول يائسة الحفاظ على عالم أحادي القطب خاضع لهيمنتها، ما يسمح لها بشنّ الحروب وتسليح قوتها الاقتصادية والمالية للتنمّر على الدول الأخرى.

وخلافاً لنظرائهم في الاتحاد الأوروبي، فإن زعماء الولايات المتحدة لم يذكروا قط مصطلح “العالم المتعدّد الأقطاب” لأن ذلك يمثل عالماً خالياً من الهيمنة الأميركية، ولذلك عندما قال سفير الولايات المتحدة لدى الصين نيكولاس بيرنز في برنامج 60 دقيقة على شبكة سي بي إس الأسبوع الماضي: “إننا لا نريد أن نعيش في عالم حيث يكون الصينيون هم الدولة المهيمنة”، كان يقول حرفياً: ليس هناك دولة أخرى – لا الصين ولا الهند ولا ينبغي السماح لدول إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، ولا حتى الاتحاد الأوروبي، بأن يكون لها رأي متساوٍ في الشؤون الدولية.

ومع ذلك، فإن الهيمنة الأمريكية الأبدية هي في نهاية المطاف مجرّد وهم، والناتج المحلي الإجمالي المجمع للدول الأعضاء الأصلية في مجموعة بريكس – الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا – أكبر بالفعل من نظيره في مجموعة السبع من حيث تعادل القوة الشرائية، ناهيك عن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي المجمع لأعضاء مجموعة بريكس بعد انضمام الاقتصادات الناشئة الأخرى إلى المجموعة في الأول من كانون الثاني.

إن صعود العالم غير الغربي هو اتجاه لا رجعة فيه وليست الصين وحدها، بل أيضا الدول النامية الأخرى، هي التي ترغب في أن يعكس إصلاح نظام الحوكمة العالمية الحالي اهتماماتها أيضاً، فهم يريدون تغيير نظام الحكم العالمي الذي فرضته الولايات المتحدة لفترة طويلة إلى الأبد.