مجلة البعث الأسبوعية

الأخطاء المالية تزداد والقانون يغيب..هل تحول الاتحاد الرياضي العام إلى قطاع خاص؟

“البعث الأسبوعية” ــ مؤيد البش

عاشت رياضتنا خلال السنوات الماضية في سكون غريب وسط مجموعة من الأمور التنظيمية غير المفهومة، والتي بدأت تتكشف شيئاً فشيئاً، ولا ندري حقيقة إن كانت القيادة الرياضية الجديدة تمتلك تصوراً كافياً عنها أو وضعت في حسابها معالجتها بالسرعة الكلية؛ ووفقاً لمصادر “البعث الأسبوعية”، فإن منظمة الاتحاد الرياضي العام تحولت بفعل تراكمات مالية إلى قطاع خاص، وتعامل بناء على ذلك وفق قرار حكومي له مسوغاته ومبرراته، وهذا الأمر تم التسليم به منذ أكثر من سنتين، وبناء عليه تجري معاملات الاتحاد الذي تنازل بذلك عن امتيازاته التي ضمنها له القانون، ليدخل في دوامة المسموح والممنوع.

 

جذور القصة

بداية الموضوع ظهرت في منتصف العام 2018، عندما خاطب الاتحاد الرياضي العام رئاسة مجلس الوزراء للحصول على موافقة تتيح له تصريف وشراء العملة الصعبة من البنك المركزي بوصفه جهة عامة، ليتم توجيه الكتاب لوزارة المالية، وبعدها إلى اللجنة الاقتصادية التي فصلت بأن الاتحاد الرياضي العام قطاع خاص وليس عاماً لأن وارداته لا تدخل الخزينة العامة.

وقبلها كانت رئاسة الوزراء قررت تخفيض الصرف على الباب الثاني من الموازنة بنسبة 25 بالمائة، ولم يلتزم الاتحاد حينها، حيث كان من المفترض أن تحول المبالغ للخزينة العامة، إضافة إلى أن باب الاستثمار الموجود في موازنة منظمة الاتحاد الرياضي لم يتم الكشف من قبل الاتحاد عن قيمتها ليتم اقتطاعها من الموازنة المقررة له.

كل هذه الأمور أدت لقرار حكومي آخر بوقف تحويل المبالغ المخصصة لمنشآت الاتحاد الرياضي، وإعطاء الصلاحية للجان المشكلة في كل محافظة لإعادة الإعمار للعمل ووضع المنشآت الرياضية المركزية في المحافظات تحت بند إعادة الإعمار.

 

فصول مخفية

كنتيجة حتمية أخرج الاتحاد نفسه من الحسابات، فتوقفت التحويلات المالية من الحكومة للمنشآت، وتم تشكيل لجنة للاطلاع على الكشوف المالية في كل محافظة، وما تم صرفه في منشآت الاتحاد الرياضي، ليقوم المكتب التنفيذي حينها بمحاولة تدارك الأمر عن طريق تأمين بعض المواد مركزياً وتحويلها إلى بعض المحافظات لسد العجز.

وقتها لم تحول الحكومة المبالغ اللازمة لتمويل مشاريع منشآت حمص وحلب واللاذقية ما أدى إلى عزوف المتعهدين عن إتمام العمل، إضافة إلى تحويل الكثير من الأعمال إلى الجهات العامة، وهذا ما يفسر التأخر الكبير في إنجاز ملفات بعض المنشآت التي بقيت لفترة طويلة تحت بند إعادة التأهيل، وهنا لابد من توضيح نقطة هامة تتمثل بسعي القيادة الرياضية حينها لحل الإشكال القانوني، لكن جهودها لم تكلل بالنجاح لأسباب قانونية وشخصية.

 

سلبيات بالجملة

اعتبار المنظمة الرياضية قطاعاً خاصاً لم يحمل آثاراً سلبية على الناحية المنشآتية وإعادة تأهيلها فقط، بل امتد ليشمل جوانب العمل المختلفة بما يملكه هذا القرار من مضاعفات جانبية، فإن يكون الاتحاد الرياضي محسوباً على القطاع الخاص يعني أنه يدفع ضرائب أكثر، وستكون معاملاته المالية أكثر تعقيداً وتكلفة، فقيمة فواتير الكهرباء والماء والهاتف بلا تخفيضات، والضرائب على الأدوات والتجهيزات الرياضية يتم دفعها رغم أن القانون رقم 8 أعفى الاتحاد منها، وسيارات الاتحاد تم دفع رسوم الرفاهية عليها بعكس ما تعامل به الجهات العامة، إضافة إلى أن ضريبة النظافة العامة وإشغال المرافق العامة تدفع أيضاً.

كما أن أجور النقل والانتقال الجوي وأذونات السفر للعاملين في القطاع الرياضي تخضع للضريبة، وحتى المبالغ الكبيرة التي تدفع للمدربين الأجانب يتم اقتطاع ضريبة منها.

 

حلول مطلوبة

في ظل كل ما سبق، كشف أحد الخبراء لـ “البعث الأسبوعية” أن تخلص الاتحاد الرياضي من هذه المعضلة يحتاج لبعض الحلول التي يمكن وصفها بالبسيطة، فوفق هذا الخبير فإن الاتحاد الرياضي العام لديه حساب في المصرف التجاري رقم عشرة مختلف عن الحساب المصرفي في البنك المركزي الذي يخضع للرقابة المالية، وأغلب ما تم تحويله من الاتحادات الأولمبية الدولية وضع في حساب المصرف التجاري، أو بأسماء شخصية، وهذا مثبت في التقرير التفتيشي لعام 2019، وحتى تاريخه لم يتم إغلاق التقرير بسبب هذا الحسابات، وبالتالي معالجة قضية هذا الحساب والمبالغ الداخلة والخارجة منه هو أول خطوات إصلاح الأمور المالية المعقدة التي يمكن القول بأنها ليست بجديدة بل ذيولها تمتد لسنوات خلت.

 

باب الاستثمار

ثاني الحلول – وفق الخبير ذاته – هو ضرورة كشف الاتحاد الرياضي عن أرقام الباب الثالث من الموازنة الخاص بالاستثمار، والتي ظلت مغيبة ولا يجوز أن يقربها أحد، إضافة إلى تطبيق المرسوم رقم 54 الخاص بالمحاسبة المالية الاستثمارية كونه نظم العمل المحاسبي بكل تفاصيله، فإذا أراد الاتحاد الرياضي أن يكون جهة عامة عليه أن يحصل على محاسبين إداريين معتمدين من وزارة المالية، بدلاً من الاعتماد على القرارات المالية التي لا سند قانونياً حقيقياً لها.

هذه الحلول ليست بالصعبة على القيادة الرياضية الحالية إذا أرادات فعلياً تخليص نفسها من عوائق مالية مؤثرة على النواحي التنظيمية، والفنية حتى، لكن بشرط وجود نية حقيقية لتصحيح المسار وتجاوز أخطاء الماضي التي كانت مكلفة للغاية.

 

مستهلك للغاية

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الاتحاد الرياضي في خضم امتلاكه للأرضية المناسبة مطالب بإيجاد طرق لتحويل نفسه من مستهلك لمنتج، فشعارات أن “الرياضة باتت صناعة” ليست للاستهلاك الإعلامي فقط، بل هي بمثابة خطة قابلة للتطبيق وفق شروط. فمنشآت الاتحاد الرياضي واستثماراته تستطيع أن تغطي كل نفقاته – ويزيد – إذا توفرت الإدارة الصحيحة التي تعرف كيف تستثمر، وكيف تكتب عقود استثمار تحدد مددها الزمنية، لأن هذه الأموال هي ملك عام وجب الحفاظ عليها إن لم نقل زيادتها.