دراساتصحيفة البعث

خيارات الولايات المتحدة بعد الانتخابات

ريا خوري

في قراءة لبنية المنهج السياسي في الولايات المتحدة، نجد أن الداخل الأمريكي يحتلّ الأولوية على حساب الصراعات والنزاعات الكبرى في العالم، لكن ذلك لم يتحقّق بعد قدوم دونالد ترامب. فقد بيّنت استطلاعات الرأي الأخيرة حالة من القلق والتأرجح وعدم اليقين حول من هو المرشح الرئاسي الأوفر حظاً للرئاسة الأمريكية القادمة القادر على تحسين الوضع الداخلي؟.

هناك بعض الاستطلاعات التي تظهر تفوق جو بايدن الديمقراطي على ترامب الجمهوري بأكثر من سبع نقاط على المستوى الوطني، لكن هذه الاستطلاعات لا يُعتدّ بها، لأن تاريخ الانتخابات الأمريكية يبيّن أن النتائج النهائية خالفت في كثير من الأحيان نتائج استطلاعات الرأي.

لا شك أن الانتخابات الأمريكية المقبلة تعدّ من أهم الانتخابات على المستوى العالمي، لأن جميع القوى الفاعلة في النظام السياسي الدولي، وحلفاء الولايات المتحدة وأعداءها على حدّ سواء ينتظرون معرفة من سيكون الرئيس الجديد للولايات المتحدة ودوره في السياسة الخارجية. حتى الآن هناك العديد من الدول الكبرى لا ترغب في إعادة انتخاب ترامب مرة أخرى، ولا ترغب برؤيته في البيت الأبيض نهائياً، لأن تجربة السنوات الأربع الماضية كانت حافلة بالكثير من المشكلات الكبيرة التي لا تزال تداعياتها قائمة مثل الخلافات الساخنة مع الصين، والكبرى والحادّة مع دول الاتحاد الأوروبي.

كان لتصريح جاك سوليفان المستشار الحالي للسياسة الخارجية أهمية خاصة، حين أشار إلى أن السياسة التي من المتوقع أن يسلكها بايدن ستكون منطلقة من أهمية وضرورية بناء القوة المحلية الأمريكية، وهذا يدلّ على الانسجام في رؤية النخب البارزة في الحزب الديمقراطي. وهنا تبرز بوضوح فكرة أن الأولوية يجب أن تكون للمسائل الداخلية، وخاصة بعد تفاقم الاضطرابات على خلفية بعض الممارسات العنصرية المفرطة، إضافة إلى أن الخط الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي أصبح كبيراً ووازناً، ويميل إلى دفع السياسات الأمريكية نحو المزيد من الإجراءات ذات البعد الداخلي الاجتماعي لتجنّب موجات جديدة من العنف والاضطرابات الاجتماعية داخل الولايات المتحدة.

إن أولوية الاهتمام بالداخل الأمريكي على حساب الخارج في أجندة بايدن تعني الفرصة المهمّة التي يمكن استثمارها، وخاصة من قبل روسيا والصين، بينما يعني استمرار الرئيس ترامب في الحكم استمراراً لسياساته الخارجية، والتي تمّ وصفها بأنها سياسة مواجهة وفرض الرؤية الأمريكية بالقوة.

ترامب ومن ورائه صقور الحزب الجمهوري، والشركات الضخمة عابرة القارات وعابرة القوميات، والكارتيلات، ومجمعات الصناعات الحربية، جميعهم يرون دون استثناء أن الهدف يجب أن يكون وضع حدّ للنفوذ الصيني في سوق العمل الدولي، ومنع الصين من التمدّد واختراق الحلفاء الأوروبيين.

وفي منطقتنا العربية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام، يبدو أن برنامج ترامب أكثر وضوحاً في بلورة شرق أوسط جديد تحدثت عنه كونداليزا رايس سابقاً، بينما تبدو أجندة بايدن غير واضحة وفيها الكثير من الرؤى والتوجهات التي كان قد صاغها وعمل عليها الرئيس الأسبق باراك أوباما من الحزب الديمقراطي، وخاصة لجهة العودة إلى أسس الاتفاق النووي مع إيران.

في المحصلة، نجد أن خيارات الولايات المتحدة نفسها تبدو محدّدة بتحدياتها ومشكلاتها الراهنة، وستكون مدفوعة بأزماتها ومشكلاتها الداخلية في وضع اقتصادي عالمي تنخفض فيه معظم مؤشرات النمو. وبالتالي الاهتمام بالاقتصاد الداخلي سيكون مسألة راهنة، ومن الصعب الهروب من مواجهتها، لأن سوق العمل الداخلية مرتبطة أشدّ الارتباط بقدرة ومكانة الولايات المتحدة في مجمل المنظومة الدولية، الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية. وهذا يؤكد بالضرورة أن الخط الذي سار عليه ترامب نحو المجابهة مع الصين بشكل أساسي لن يكون الارتداد عنه ممكناً.