رأيصحيفة البعث

مفارقة تشرين التحرير والإرادة

أحمد حسن

ربما كانت مفارقة واضحة أن تعود ذكرى تشرين الإرادة والتحرير، وبعض التضامن العربي، لهذا العام في ظل احتدام سباق عربي لافت على المراكز الأولى في عملية التطبيع مع العدو الصهيوني.

وجه المفارقة هنا أن السادس من تشرين وبقدر ما كان عملاً عسكرياً هجومياً لاستعادة الأرض المحتلّة، كان أيضاً عملاً سياسياً هجومياً على سرديات، وإفرازات، هزيمة “1967”، لاستعادة الإرادة المحتلّة، وهنا تحديداً تتركّز فكرة تشرين الحقيقية التي تقول إنه يمكن للعرب حين يمتلكون الإرادة، وبقليل من التنسيق والشجاعة، إحداث الفرق. وعلى هذه الفكرة بالذات تركّز، خلال الفترة الماضية، كل الجهد الإسرائيلي والغربي، ومعظم العربي، لطمسها، وبالتالي الوصول إلى عام التطبيع المجاني، والمذّل، هذا.

ففي حقيقته، وجوهره، لا يتجاوز ما يحدث اليوم – وما حدث منذ تشرين- عن كونه ردّ الثلاثي السابق على هذه “الفكرة” في محاولة لوأدها وإلغائها نهائياً من الوعي العربي، أو، على الأقل، رفد “ثغرة الدفرسوار” العسكرية الشهيرة، بثغر متنامية في هذا الوعي لتحويله إلى وعي مزيف بالواقع وتحدياته، وذلك أمر يجب الاعتراف بأنه حقق نجاحاً واضحاً، بدليل أن العدو الوجودي للعرب جميعاً -بدليل أدبياته المؤسسّة والحديثة، كما أفعاله الموثّقة- أصبح حليفاً موضوعياً لبعضهم ضد أعداء مختلقين، والأدهى من ذلك أنه أصبح حليفاً لقسم منهم ضد قسم آخر، بعد أن أعلنوا، بأغلبيتهم الكاسحة على لسان أنور السادات، أن /70%/ من أسباب الصراع معه نفسية، وأن واشنطن تملك /99%/ من أوراق “اللعبة”، وبالتالي لتكن تشرين –كما قالوا- آخر الحروب مع “إسرائيل”، لنكتشف بعدها أن هذا التوجّه كان بداية استئناف للحروب البينيّة العربية، سواء الباردة أم الساخنة، وأن أهازيج إعلامهم، الفتنوي الطبيعة والطابع، لم تعد تُطلق إلاّ استحضاراً لخلافاتنا التاريخية على ناقة هنا وفرس هناك، أو “حارة” هنا وحورية عين هناك، وتلك خلافات ستقودنا حتماً، وقد فعلت، إلى مواقف كانت مستحيلة التصور حتى وقت قريب. العرب الرسميون يريدون، بكل ما يملكون من مال وعلاقات وتأثير مذهبي مريض، تحرير سورية واليمن وليبيا وسواهم من سكانها، فيما “المجاهدين العرب”، متسلحين بالبترودولار وفتاوى شيوخ الفتنة وأوهام حكام الصدفة، يقاتلون في كل مكان –من كابول حتى “ناغورني كاراباخ”- إلا فلسطين السليبة.

والحال فإن ذكرى تشرين تصطدم هذا العام بحقائق ووقائع لا تشبهها أبداً، بل تبدو على النقيض منها، بيد أن الحقائق، والوقائع، تقول أيضاً إن “فكرة” تشرين الحقيقية لم تكن يوماً نتاج لحظة واحدة، حتى لو كانت بخطورة الـ”67″، وإنما هي نتاج تاريخ طويل من التراكم الطردي في سياق متبادل بين الفعل ورد الفعل، وبالتالي فإنها -مادام الفعل الظالم مستمراً- ستبقى كامنة في روح هذا الشعب كنقطة ارتكاز لأيام آتية لا ريب فيها، وهذا ما يعرفه العدو جيداً.. ويخشاه.