دراساتصحيفة البعث

بوريس جونسون وعبء الخروج من الاتحاد الأوروبي

 ريا خوري

تمّ التأكيد مراراً على أنَّ عام 2020 هو عام صعب وقاسٍ على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وخاصة بعد أن أقال وزير شؤون إيرلندا الشمالية، وهو ما أحدث زلزالاً مرعباً في بنية السياسة البريطانية. كان جونسون يهدف إلى إحكام قبضته الفولاذية على الحكومة البريطانية بعد فوزه في انتخابات شهر أيلول من العام الماضي، لكن إدارة جونسون المحافظة باتت تواجه تحدياً كبيراً من خلال التفاوض على علاقات مع دول الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا العام 2020.

الملاحظ أنَّ المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يهدفان لإبرام صفقة تغطي ملفي الأمن والتجارة وغيرهما من المجالات، وهذا يجري متزامناً مع فترة الانتقال بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني القادم. وحتى إبرام تلك الصفقة ستواجه بريطانيا تعديلات كبيرة جداً في عقود التجارة والسفر والتنقل مع دول الاتحاد الأوروبي والتي ستنتهي بداية عام 2021. لذا يمكننا أن نطلق على عام 2020  أنه عام كئيب بالنسبة لبوريس جونسون لأنه يمكن أن يخفّف الثقل عنها قليلاً ، أو أن يزيد من عبء بريطانيا. عندما عقد رئيس الوزراء البريطاني جونسون اجتماعه لكسر الجمود بخصوص (بريكست) مع نظيره الإيرلندي آنذاك ليو فار ادكار في مدينة (بيركنهيد) الواقعة ضمن مقاطعة متروبوليتان ويرال في ميرسيسايد خارج مدينة ليفربول في عام 2019، كانت لديه حاجة ماسة لإبرام صفقة ضخمة تكون رابحة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن في الحقيقة كانت هناك عقبة واحدة تقف في طريقه وهي قضية مهمّة تتمثل بإقامة حدود فعلية بين بريطانيا وإيرلندا، وبوريس جونسون الذي كان واقعاً بين خياري خيانة مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزبه حزب المحافظين. هذا التخوف كان سيشكل نهاية لإدارته، أو إغراق بلاده في فوضى الخروج دون التوصل إلى أيّ حل أو اتفاق، وقد ألقى برؤساء الاتحاد الأوروبي عند منتصف الطريق وتمكن من تأمين اتفاق ناجح. هنا في هذا المقام من الضروري التوضيح، فللوهلة الأولى لا يمكن أن تكون الصورة مبهمة أو مختلفة هذا العام، من حيث دخول بريطانيا والاتحاد الأوروبي الجولة الأخيرة من المفاوضات والمحادثات التجارية قبل انتهاء الموعد الذي حدّده جونسون في الخامس عشر من شهر تشرين الأول الجاري، فهناك العديد من النقاط العالقة بين الطرفين، بما فيها قضية الصيد في المياه الإقليمية لبريطانيا، ومطالب بلجيكا بتكافؤ الفرص، وهو مصطلح خاص بالسياسة التجارية يشير إلى مجموعة من القواعد والمعايير المشتركة التي يتمّ استخدامها في المقام الأول لمنع الشركات التجارية في بلد ما من تقويض منافساتها في البلدان الأخرى في مجالات عديدة منها حقوق العمال وحماية البيئة، إضافة إلى التعاون الدولي في قضايا مهمّة كالتعاون في مجال القضاء والشرطة وتسوية الخلافات والنزاعات البينية.

الجدير بالذكر أن معظم رؤساء وحكومات دول الاتحاد الأوروبي كانوا ينظرون إلى جونسون نظرة شك وريبة عندما ترأس الوزارة في بريطانيا بدلاً من تيريزا ماي، ولكن كانت هنالك جهود حثيثة لبناء علاقة معه وأخذ كلامه على محمل الجد، وبعد مضي عام واحد تآكلت الثقة بين دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وهدّد الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير والإجراءات القانونية بشأن قانون الأسواق الداخلية في بريطانيا الذي يحدّد آلية الخدمات وتجارة السلع في بريطانيا بعد خروجها نهائياً من الاتحاد الأوروبي. أما المشروع فإنه يتضمن العديد من البنود التي من شأنها أن تسمح للوزراء البريطانيين بتجاوز أجزاء من بروتوكول إيرلندا الشمالية الخاص باتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك لضمان حصول الشركات هناك على الوصول دون أي قيود صارمة إلى السوق الداخلية في بريطانيا، وسوف يسمح مشروع القانون أيضاً لبريطانيا بتجاوز قواعد مساعدات الدولة في الاتحاد الأوروبي، وذلك لأنها تنطبق على إيرلندا الشمالية. ونتيجة لتفاقم الصراعات البينية كان من شأن مشروع قانون السوق الداخلية لرئيس الوزراء البريطاني جونسون أن يكسر بعض الاتفاقيات التي عقدتها المملكة المتحدة عندما انسحبت من الاتحاد الأوروبي من أجل منع الضوابط الجمركية بين إيرلندا الشمالية وإيرلندا الجنوبية، وهي بالتأكيد خطوة أقرّتها الحكومة البريطانية بانتهاك القانون الدولي. كان عذر جونسون في خرق الصفقة هو أنه وقّع المعاهدة على عجل دون أن يتمهل في فهم بنودها بشكل استراتيجي. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق يرضي كافة الفرقاء فإن العواقب بالنسبة لجونسون ستكون وخيمة جداً، مع العلم أنه يتمتّع بأغلبية برلمانية مكونة من 80 مقعداً، إذ ستتضرّر سمعته وتصير في الحضيض، وسيضع ذلك إدارته على المحك، خاصة وأنه يواجه العديد من المعارك وعلى عدة جبهات بما فيها الانتقادات الحادة الموجهة ضده بشأن سياسته في التعامل مع فيروس كوفيد 19 (كورونا) مع ارتفاع أعداد الإصابات بشكل لافت، وفشل نظام الفحص والوقاية وانعكاساتها السلبية على البريطانيين، كذلك تعرضه لمعارضة قوية من قبل الموالين الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسبب خرقه للاتفاقيات والقانون الدولي.

لذا يمكن أن نعتبر هذا العام عاماً كئيباً جداً بالنسبة لبوريس جونسون وحكومته المثقلة بالمشكلات الداخلية.