اقتصادصحيفة البعث

قصة واقعية عن “طابور خامس” يعرقل الاستثمار في بلد يجهد لتعزيز بنيته الإنتاجية..!.

حسن النابلسي

لا تقتصر معاناة “الاستثمار” في بلادنا على العقوبات الاقتصادية، وتفضيل أصحاب “رؤوس الأموال الجبانة” بيئات أخرى أكثر جذباً ومرونة من بيئة بلادنا، سواء لجهة القوانين والتشريعات، أو لجهة التحويلات المالية المقيدة بسبب العقوبات، بل للفساد دور ليس بالقليل يطال للأسف ما بقي من مستثمرين يجهدون باتجاه تنمية عجلة الإنتاج، وإليكم هذه القصة- المُدعّمة بالوثائق- والتي تظهر فساد بعض المفاصل الصغيرة في الجهات العامة.

بالفم الملآن وبكل جرأة طلب أحد مهندسي مديرية صناعة اللاذقية المكلّف بإبداء الرأي حول التصدير المؤقت لآلات معمل عائد لإحدى شركات القطاع الخاص، مبلغاً من المال من صاحب المعمل، وعندما رفض الأخير كان جواب المهندس: “بعتذر مشان ما أخّرك” وأعاد كامل الملف إلى جمارك اللاذقية بلا أي رأي!.

في التفاصيل تبيّن الوثائق المتعلقة بالتصدير المؤقت لترميم معمل “مختص بتجديد الإطارات” في إحدى الدول المجاورة، كان قد تعرّض للنهب والتخريب في مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب بداية الأحداث، أن الشركة صاحبة المعمل حصلت على موافقة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وذلك بعد عرض الموضوع على اللجنة الاقتصادية، والتي أوصت بالموافقة عليها، وبالفعل أصدر رئيس مجلس الوزراء كتاب الموافقة على توصية اللجنة برقم 14593/1 تاريخ 13/10/2019.

بناء على ما تقدم أرسلت وزارة الاقتصاد إلى مديرية الجمارك العامة كتاباً بذلك مصدقاً أصولاً، وقامت الأخيرة بتحويله إلى مديرية جمارك اللاذقية “لإجراء المقتضى النظامي أصولاً”، والتي قامت بدورها بمراسلة مديرية صناعة اللاذقية لإبداء الرأي.

وبالعودة إلى ما بدأنا به قصتنا، يفيد كتاب موجّه أصولاً من صاحب المعمل إلى وزير الصناعة، يوضح فيه تفاصيل ما تعرّض له من ابتزاز حال دون التصدير المؤقت لآلات معمله “لشغل المطاط مع متمماتها لقولبة أو تلبيس الإطارات الخارجية الهوائية الجديدة من البند الجمركي /8477.51.00/ المستورد بموجب بيان الاستيراد IM42  رقم 511 مانيفست رقم 630 تاريخ 11/3/2009” وذلك بغرض إجراء الإصلاح والإعادة، إذ بيّن أنه وبعد أن حصل على موافقة التصدير المؤقت، تم شحن أجزاء المعمل إلى ميناء اللاذقية، وبعد كشف الجمارك، أحيلت الأوراق إلى مديرية الصناعة في اللاذقية، ولدى مراجعة الأخيرة من قبل المخلص الجمركي لاستلام الأوراق وبيان الرأي، تبيّن أنه تم تكليف أحد المهندسين بالكشف على الآلات وتصويرها بجواله، والذي رفض تسليمها للمخلص الجمركي، طالباً منه حضور صاحب الشركة شخصياً!.

وحسب الكتاب المرسل إلى وزارة الصناعة فقد تم بالفعل اللقاء بين صاحب الشركة وهذا المهندس في أحد المقاهي، وبعد نقاش طويل حول شرح محتوى الآلات حسب الفاتورة المرفقة التي تم بموجبها الاستيراد، طلب المهندس مبلغاً من المال حتى يوقع على الكشف، ولما رفض صاحب الشركة طلبه قال كما ذكرنا آنفاً: “بعتذر منك مشان ما أخّرك”!.

وبيّن صاحب المعمل أن الأمر لا يقتصر فقط على هذا المهندس، بل أيضاً طلب موظفان من قسم الصادرات في جمارك اللاذقية الطلب نفسه من المخلص الجمركي، مؤكداً أن آلات المعمل لاتزال منذ شهر آذار الماضي موجودة في ميناء اللاذقية بانتظار الإفراج عنها والسماح بإعادة تصديرها!.

ونختم قصتنا هذه بالإشارة إلى أن هناك تعهداً من قبل صاحب الشركة لمديرية الجمارك بإعادة الآلات المصدرة لغاية الإصلاح والإعادة، وفي حال عدم إعادتها يترتب عليه دفع قيمة الآلات المصدرة كاملة مع الغرامات!.

لا شك أن ما سبق ذكره يعد خطيراً جداً لجهة تقويض الاستثمار في بلد متعطش له في ظل ما يكابده من عقوبات وحصار، ويعوّل على كسر الأخيرة من خلال الاعتماد على الذات عبر بوابة الاستثمار، وتفعيل البنية الإنتاجية!.

لن نطيل بسردية أهمية الاستثمار وحاجة البلاد والعباد له في هذا الظرف الحساس جداً، ونشير ختاماً إلى ضرورة اضطلاع الجهات الرقابية والمحاسبية بمهامها أصولاً، ونبيّن لها وللحكومة وفريقها الاقتصادي أن قصتنا هذه هي غيض من فيض!.

 

hasanla@yahoo.com