ثقافةصحيفة البعث

معرض التشكيلية فتاة بحمد: الطبيعة في مرآة العافية

تُعرض حالياً في صالة المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق أعمال الفنانة اللبنانية فتاة بحمد التي اختارت المنظر الطبيعي، ليكون محور أعمالها الزيتية المنفّذة بأسلوب انطباعي لا يخلو من التلخيص والتشذيب وفق منظورها الانفعالي الواضح، من خلال إعادة بناء المشهد الطبيعي حسب رؤيتها الخاصة وتحليلها الفيزيائي للمساحات الملوّنة الصريحة بكليةٍ لا تقترب من التفاصيل التسجيلية الواقعية على حساب الجملة البصرية المقصودة بالعاطفة والتلقائية وحماسة الرسام الواثق من لغة اللون الكافية لإنتاج الواقع المراد على القماش أو الخشب.

عشرات اللوحات الموزّعة والمتنوعة القياسات والكثيفة السطح والغنيّة بالمسحات المباشرة، بالألوان الطازجة غير المتوقعة، في بساطة فرشها على السطح، لتحدث فصلاً ربيعياً مشاكساً يستيقظ على عجلٍ تحت ضربات فرشاة هذه الفنانة الشابة القادمة من قرى وبلدات لبنان الجنوبي، حيث مشاعية اللون وفعله على التضاريس وجغرافيا المكان.

شرفات وأزهار وزوايا البيوت الدافئة والمؤثثة بالفرح والبهجة، ونيسان الربيعي ينهض أمام رائيه ليجعل منه رساماً مثابراً على التقاط الفرح، كما تجعل منه أسير نافذته المفتوحة على علبة ألوانه والطبيعة الممتدة على الوديان والبيوت والورد، فقد قال رائد الانطباعية ومؤسّسها كلود مونيه: “أتبع الطبيعة من دون اللحاق بها، ربما أنا مدين للأزهار بأن أصبحت رساماً”، كما تذكر الفنانة أنها تحبّ اللون، وتجربتها تدور حول اللون أكثر من الموضوع ذاته الذي يستفزّها كي تلوّن، لكنها لا تجهد نفسها في التفكير بمضمون ما ترسم، وكل ما تريد قوله تقوله عبر اللون. هكذا هي التجربة، لها علاقة بالألوان وعلاقاتها وحبكتها، وما أعمالها إلا نتاج وجودها في المكان المحدّد.

كُتب عن لوحة الفنانة في دليل المعرض: “تعبّر الفنانة بمسحات لونية ولطخات صباغية مدروسة بعناية منتشرة في فضاء اللوحة عن حالة من التعبير المتقد المتوافق مع مشاعرها الخاصة، فهي تعمد إلى تصوير أحاسيسها أولاً، ومن ثم ما يقع عليه نظرها من أماكن تغتني بمزاياها الطبيعية، والواقع أنها لا تتفرق صور المشهديات في الواقع الطبيعي عن طريق حصرها بألوان منسوبة إلى المحيط الطبيعي، عن طريقة جمعها وتأليفها بعناية وتركيز وتجانس، ما يمتّع الذاكرة البصرية ويغني اللوحة في آن معاً، كما أنها تعمد إلى تلخيص الطبيعة وإعادة قولبتها وفق منظارها الشعوري، كما يرصد عندها السعي لتكوين مساحات لونية براقة يغلب عليها الانفعال القريب من الانطباعية إلى جانب نوع من التجريد المبسّط للأشكال، وجعلها متمازجة مع محيطها وملتصقة بخلفية المشهد التي لا يمكن فصلها عن صلب الفكرة الرئيسية المقصودة في كل متجانس، بعيداً عن الهامشية في الأجزاء في رغبة منها بالتصريح عن حبها وارتباطها بالطبيعة ومقاربتها بين المرئي والملموس بالخارج مع طريقتها ورؤيتها الخاصة.

كما أضاف الفنان غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية: “.. إنها تتحاور مع الطبيعة.. نسيجها اللوني مدهش للغاية من خلال تناغمه وانسجامه وتعايشه الذكيّ المرهف، رعشة الريشة ولمس اللون للقماش براحة دون إرهاقه، هذا من النادر أن نراه اليوم، إذ إن معجونة المادة الزيتية لديها تضفي طاقة حياتية مهمّة على لوحتها، فتاة تسعد الإنسان أمام أعمالها”.

لعلّ استضافة هذه الفنانة الشابة في دمشق تضيف جديداً بما قدّمته من فرح تضمنته لوحاتها، في وقت تختنق أعمال العديد من الفنانين الشباب التشكيليين بمواضيع أثقلتها يوميات الحياة المعاشة في سورية، وما خلفته الحرب وتركته من آثار مرهقة جعلت من الفرح أمراً غير مألوف ومرهق في منتج أغلب الفنانين الشباب، حيث بدأت تظهر ملامح جديدة للوحة والفن التشكيلي عموماً، متأثراً بما حصل ويحصل للحياة هنا، لكن لا بدّ من الفن ومن النظر في مرآتنا النظيفة والدفع بمواهبنا الشابة نحو تحقيق ذاتها المبدعة المنتجة لأمل وفرح نستحقه ونسعى إليه.

أكسم طلاع