الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“مورفين احمر” عزف على إيقاع الحب

سلوى عباس

بعد مجموعتها الشعرية “ويزهر من أكمامه الدراق”، تدخل مجدولين الجرماني عالم الرواية عبر روايتها “مورفين أحمر”، الصادرة حديثاً عن دار “سين” للثقافة والنشر والإعلام، تتناول فيها عبر حكايات بطلاتها  قضايا إنسانية قديمة ومعاصرة، تسبر من خلالها أعماق النفس البشرية والمجتمع.

إذا بدأنا في قراءتنا للرواية من الغلاف، لابد أن تستوقفنا لوحة للفنان التشكيلي اللبناني عبد الحليم حمود التي تمثل صورة امرأة حالمة وحزينة ترتدي وشاحاً أحمر، وقد ساعد في إظهار تفاصيل اللوحة ومكنوناتها الفضاء المتماوج الألوان بين الرمادي والأسود، ما يوحي بالتكامل الفني بين الشكل والمضمون، مروراً بالإهداء الذي سطرته الكاتبة على صفحتها الأولى: “لكل من مررن على مرفأ روحي الغامر بدموعهن، بحزنهن، وودعن الحياة بمنديل أبيض كراية استسلام لمجتمع مجحف.. أهدي صرخة علم ومعرفة ووعي”. بينما تضمن الوجه الثاني من الغلاف صورة المؤلفة، إضافة لمقتطفات لآراء عدد من الكتاب بالرواية، ومن الواضح أن “مورفين أحمر” مكتوبة على خلفية الحرب وما تتركه من آثار سلبية على العلاقات الإنسانية، ولو أن الحرب لا تشكل حدثاً رئيساً في هذه الرواية، وإنما أحد تجلياتها.

تعمل الكاتبة في مجال التنمية البشرية والعلاج بالطاقة وتقدم في روايتها حكايات نساء يترددن إلى عيادتها للعلاج النفسي والروحي، نساء حاولن الامتثال لفروض المجتمع، فخبأن أحزان بنفسجهن، ودارين كروب قلوبهن المضطربة، لكنهن لم يستطعن الاستمرار، ففي لحظة من توهج أرواحهن أدركن أنهن نساء من أمنيات يعجّن الحب خبزاً، ويعتقن المساءات بالنبيذ، فكان قرارهن بالتمرد على أنفسهن وعلى مجتمعهن بأن تركن لحمامات أرواحهن أن يرفرفن بأجنحتهن في رحبة عمرهن، في خطوة استطعن إعلانها بالفم الملآن أنهن  مازلن يحملن كل الإحساس بالحب، ومن حقهن أن يفتحن نوافذهن للحياة ويعشنها كما تستحق أن تعاش.

تنساب الأفكار على صفحة روح الكاتبة كما أغنية ترسم بحروفها حالات إنسانية بكل قلقها وارتياحها، حزنها وفرحها، أحلامها وانطلاقتها، فكان الورق رفيقها تبوح له ما يختلج في داخلها من مشاعر وأفكار، فترصد في روايتها العديد من الحالات الإنسانية في مجتمعنا، كظلم المرأة ومعاناتها، وحالة النفاق الذي يختبئ الناس خلفه، مؤكدة على أن الكتابة تساعد على الانعتاق من أسر الذات والمجتمع. كما تلفت إلى المصادفة ودورها في حياتنا، والاختلاف بين تربية البيت في العلاقة مع الزوج، في مجتمع تحكمه أعراف وتقاليد قد تختلف عن التربية القائمة على الانفتاح وامتلاك الشخصية والثقافة بكل أشكالها، كما تتناول الكاتبة قصص الحب وخيبات المرأة وانكساراتها وخوفها من الغرق في بحر الحياة والحب، والحرص والحذر من الإقدام على أي خطوة في ظروف الأزمة والحرب التي نعيشها وانعكاسها على الناس عبر التفكير بالسفر خارج البلاد.

تظهر بوضوح مهارة الكاتبة في سرد تلك الحكايات، وتحكّمها في أسلوب طرح القضايا التي تناولتها فيها، حيث تناوب الأسلوب عندها مابين السرد والوصف، يضاف إليهما الأسلوب الحواري في بعض الحالات، وقد عبّرت الكاتبة في “مورفين أحمر” عن موقفها من الحالات النفسية والمجتمعية التي يعاني منها شخوصها، إذ مثّل رصدها لهذه الحالات صرخة ضد الظلم والقسوة التي تعيشها شخصياتها، كما برعت في تحريك شخوصها بحرفية ومرونة، ويبدو واضحاً موقفها الموضوعي من هذه الحالات، وانتصارها للمرأة، عبر إجادتها في تشكيل تلك الشخصيات بسلبياتها وإيجابياتها. كل هذا تعيشه بطلة “مورفين أحمر” “شام” عبر شخصياتها ونراها من خلال حكايات الرواية لا تسعى بشكل مباشر للإدهاش ولا للتشويق بل تكتب ذاتها كما هي، عبر شخوص قصصها، متجاوزة صعوبة الكتابة عن العام دون أن تفقد خصوصيتها التي تحضر حتى في الشأن العام، مؤكدة في تناولها للقضايا الإنسانية والحياتية على أن الكاتب ضمير عصره وأدبه مرآة الزمن.